للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نَزَلَ قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ! لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ. فَلَوْ كُنْتَ تَنَفسْتَ. فَقَال: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِن طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ، وَقِصرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ. فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ. وإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ

ــ

فرغ منها، و (نزل) من المنبر (قلنا) له معاشر الحاضرين (يا أبا اليقظان) كنية عمار: والله (لقد أبلغت وأوجزت) في خطبتك أي خطبت لنا خطبة بليغة من حيث المعنى، موجزة من حيث اللفظ (فلو كنت) يا أبا اليقظان (تنفست) فيها أي أطلت قليلًا، فلو إما شرطية حذف جوابها لعلمه من السياق أي لو تأخرت فيها وأطلتها لنا قليلًا لكان خيرًا لنا، أو للتمني لا جواب لها أي نتمنى تنفسك وتأخرك فيها لكونها بليغة مفيدة لنا (فقال) عمار لا ينبغي لي ولا يليق بي أن أتنفس فيها فـ (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل) بالنسبة إلى الخطبة لا تطويلها بحيث يشق على الناس فيكون المراد القصد في التطويل (وقصر خطبته) الذي هو وضعها بالنسبة إلى الصلاة فلا يعارض حديث الأمر بتخفيف الصلاة كما مر آنفًا (مئنة) بفتح الميم ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة مفتوحة أي علامة يستدل بها (من فقهه) أي على فقهه في الدين فمن بمعنى على، قال السنوسي: قوله من فقهه صفة لمئنة أي مئنة ناشئة من فقهه فمن على بابها، ويحتمل أن تكون من بمعنى على كما ذكرنا في الحل، وكل شيء دل على شيء فهو مئنة له، قال بعضهم: وحقيقتها أنها مفعلة من معنى إن المكسورة التي للتحقيق والتأكيد غير مثتق من لفظها لأن الحروف لا يسْتق منها وإنما ضمنت حروفها دلالة على أن معناها فيها، ولوقيل إنها اشتقت من لفظها بعد ما جعلت اسمأ لكان وجهًا، ومن أغرب ما قيل فيها: إن الهمزة فيها بدل من ظاء المظنة.

قيل إنما جعل صلى الله عليه وسلم ذلك علامة من فقهه لأن الصلاة هي الأصل والخطبة هي الفرع الذي جعل توطئة لها، ومن القضايا الفقهية والعقلية أن يؤثر الأصل على الفرع بالزيادة والفضل فإذا علم تلك القضايا فيصرف العناية إلى ما هو الأهم الأصل دون الفرع اهـ منه (فـ) إذا عرفتم ذلك أيها الناس (أطيلوا) بهمزة قطع من الإطالة أي أطيلوا أيها الأئمة (الصلاة) بالنسبة إلى قصر الخطبة لا تطويلها في نفسها بحيث يشق على المأمومين فلا ينافي حديث الأمر بتخفيف الصلاة (واقصروا الخطبة) بهمزة وصل فيه أي اجعلوها قصيرة بالنسبة إلى الصلاة لأنها توطئة للصلاة لا مقصودة بذاتها والعياذ بالله تعالى مما يفعله أهل عصرنا من خلاف السنة، وجملة قوله (وإن من البيان) والبلاغة

<<  <  ج: ص:  >  >>