عيناه) صلى الله عليه وسلم أي سالت دموعًا بالبكاء وهذا موضع الترجمة لأن البكاء العاري عن النوح لا يؤاخذ به الباكي ولا الميت وحديث أم سلمة السابق دل على حرمة البكاء المقترن بالنوح والندب لأنها أرادت ذلك بدليل قولها (فجاءت امرأة من الصعيد تريد أن تساعدني) لأن ذلك هو الذي يقبل المساعدة وحديث أسامة دل على البكاء الجائز بدليل قوله (فقال له) صلى الله عليه وسلم (سعد) بن عبادة: (ما هذا) البكاء (يا رسول الله) وفي رواية عبد الواحد قال سعد بن عبادة (تبكي) وزاد أبو نعيم في مستخرجه (وتنهى عن البكاء)(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذه) الدمعة التي تراها من حزن القلب بغير تعمد ولا استدعاء لا مؤاخذة عليها لأنها (رحمة) أي علامة رحمة وشفقة (جعلها الله) سبحانه وتعالى (في قلوب عباده) الرحماء (وإنما يرحم الله) سبحانه (من عباده الرحماء) بالنصب على أن ما في قوله (وإنما) كافة وبالرفع على أنها موصولة أي وإن الذين يرحمهم الله من عباده الرحماء جمع رحيم من صيغ المبالغة ومقتضاه أن رحمته تعالى تختص بمن اتصف بالرحمة وتحقق بها بخلاف من فيه أدنى رحمة لكن ثبت في حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود وغيره: (الراحمون يرحمهم الرحمن) والراحمون جمع راحم فيدخل فيه كل من فيه أدنى رحمة اهـ إرشاد الساري.
قال القرطبي: قوله: (هذه رحمة) أي رقة يجدها الإنسان في قلبه تبعثه على البكاء من خشية وعلى أفعال البر والخير وعلى الشفقة على المبتلى والمصاب ومن كان كذلك جازاه الله برحمته وهو المعنى بقوله صلى الله عليه وسلم (إنما يرحم الله من عباده الرحماء) وضد ذلك القسوة في القلوب الباعثة على الإعراض عن الله تعالى وعن أفعال الخير ومن كان كذلك قيل فيه: {فَوَيلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ}[الزمر: ٢٢] الآية.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (١٢٨٤) والنسائي (٤/ ٢٢) وأبو داود (٣١٢٣) وابن ماجه.
قال العيني: وفي الحديث جواز استحضار ذوي الفضل للمحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم وفيه جواز القسم عليهم لذلك وفيه جواز المشي إلى التعزية والعبادة بغير إذنهم بخلاف الوليمة وفيه استحباب إبرار القسم اهـ منه.
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أسامة رضي الله عنه فقال: