صوت (ولا) يعذبه (بحزن القلب ولكن يعذبـ) ـه (بهذا) اللسان إن قال به سوءًا من النوح والندب قال الأبي: قوله (بهذا) يعني بالبكاء بصوت (وأشار) رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة عند قوله: بهذا (إلى لسانه) الشريف (أو يرحم) بهذا إن قال خيرًا قال النواوي: وفي الحديث استحباب عيادة المريض وعيادة الفاضل المفضول وعيادة الإمام والقاضي والعالم أتباعه اهـ.
قال القرطبي: وهذا الحديث يدل على أن البكاء الذي لا يصحبه صوت ولا نياحة جائز قبل الموت وبعده بل قد يقال فيه: إنه مندوب إليه لأنه قد قال فيه (إنه رحمة) والرحمة مندوب إليها فأما النياحة التي كانت الجاهلية تفعلها من تعديد خصال الميت والثناء عليه بما كان فيه من الخصال الدنيوية والمذمومة والصراخ الذي يخرجه الجزع المفضي إلى السخط والعبث من ضرب الخدود وشق الجيوب فكل ذلك محرم من أعمال الجاهلية ولا يختلف فيه فأما بكاء وصراخ لا يكون معه شيء من ذلك فهو جائز قبل الموت مكروه بعده أما جوازه فبدليل حديث جابر بن عقبة الذي خرجه مالك وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب عليه فصاح به فلم يجبه فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: غلبنا عليك أبا الربيع فصاح النسوة وبكين فجعل جابر يسكتهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية رواه مالك في الموطإ.
ووجه الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم أقرهن على البكاء والصياح قبل الموت وأمر بتركهن على ذلك وإنما قلنا إنه مكروه بعد الموت ليس بمحرم لما في حديث جعفر من بكائهن بعد الموت وإعلام النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ونهيهن عنه فلما لم ينكففن قال للمبلغ احث في أفواههن التراب رواه مسلم برقم (٩٣٥/ ٣٠) ولم يبالغ في الإنكار عليهن ولا زجرهن ولا ذمهن ولو كان ذلك محرمًا لفعل كل ذلك والله أعلم.
وبهذا الذي قررناه يرتفع الاختلاف بين ظواهر الحديث التي في هذا الباب ويصح جمعها فتمسك به فإنه حسن جدًّا وهو الصواب إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم قال الأبي: في النوادر عن ابن حبيب: إن البكاء قبل الموت وبعده دون صوت ودون اجتماع مباح ويكره اجتماعهن له ولذا فرق عمر اجتماعهن لذلك في موت أبي بكر رضي الله عنه اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري فقط (١٣٠٤).
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال: