(فقال) الرجل: (والله لقد غلبننا يا رسول الله) بلفظ جمع المؤنثة الغائبة وفي بعض روايات البخاري (لقد غلبتنا) بلفظ المفردة المؤنثة الغائبة (قالت) عمرة: (فزعمت) عائشة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) للرجل لما لم ينتهين: (اذهب) إليهن (فاحث) بضم المثلثة أمر من حثا يحثو وبكسرها أيضًا من حثى يحثي أي فاجعل وارم (في أفواههن) شيئًا (من التراب) ليسد محل النوح فلا يتمكن منه أو المراد المبالغة في الزجر وإنكار البكاء عليهن ومنعهن منه قال القرطبي: وهذا يدل على أنهن صرخن إذ لو كان بكاء بالعين فقط لما كان لملء أفواههن بالتراب معنى وليس أمره صلى الله عليه وسلم للرجل بذلك ليفعله بهن على كل حال ولكن على طريق أن هذا مما يسكتهن إن فعلنه فافعله إن أمكنك وهو لا يمكنه وفيه دليل على أن المنهي عن المنكر إن لم ينته عوقب وأُدِّب بذلك وإلا فالملاطفة فيه أولى إن وقعت اهـ من المفهم (قالت عائشة: فقلت) للرجل: (أرغم الله أنفك) بالراء والغين المعجمة أي ألصقه بالرغام وهو التراب إهانة وذلًا.
والمعنى أذلك الله تعالى فإنك آذيت رسول الله وما كففتهن عن البكاء ودعت عليه من جنس ما أمر أن يفعله بالنسوة لفهمها من قرائن الحال أنه أحرج النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة تردده إليه في ذلك وإخباره ببكائهن ولذلك قالت له:(والله) أنت (ما تفعل ما أمرك) به (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من نهيهن وإن كان نهاهن لأنه لم يترتب على فعله الامتثال فكأنه لم يفعله أو لم يفعل الحثو بالتراب لتعذره والمعنى إنك قاصر لا تقوم بما أمرت به من الإنكار لنقصك وتقصيرك ولا تخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصورك عن ذلك حتى يرسل غيرك ويستريح من العناء ولذلك قالت: (وما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم من العناء) بفتح العين المهملة والنون والمد أي من المشقة والتعب.
وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث البخاري (١٢٩٩) وأبو داود (٣١٢٢) والنسائي (٤/ ١٥) وابن ماجه (١٥٨١).
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: