من إعراب هذه الجملة ليس بصواب لأن ما الحجازية لا عمل لها هنا لانتقاض نفيها بإلا ولزيادة من الاستغراقية بعدها تأمل والله أعلم بالصواب.
(فيقول أحدهما) أي أحد الملكين في دعائه للمنفق: (اللهم أعط منفقًا) ماله الطيب في الخيرات واجبًا كان ذلك الإنفاق أو مندوبًا (خلفًا) بفتح اللام أي أعط من ينفق من محله في محله عوضًا عظيمًا وهو العوض الصالح أو عوضًا في الدنيا وبدلًا في العقبى كقوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ}[سبأ: ٣٩] وقوله: (ابن آدم أنفق أنفق عليك) قال الحافظ: أما الخلف فإبهامه أولى ليتناول المال والثواب وغيرهما وكم من منفق مات قبل أن يقع له الخلف المالي فيكون خلفه الثواب المعد له في الآخرة أو يدفع عنه من السوء ما يقابل ذلك اهـ.
(ويقول) الملك (الآخر: اللهم أعط ممسكًا) ماله عن الإنفاق في الخيرات والتعبير هنا بالإعطاء من باب المشاكلة لأن التلف ليس من العطية (تلفًا) لماله يحتمل تلف ذلك المال بعينه أو تلف نفس صاحب المال أو المراد به فوات أعمال البر والتشاغل بغيرها قال النواوي: الإنفاق الممدوح ما كان في الطاعات وعلى العيال والضيفان والتطوعات.
وقال القرطبي: وهو يعم الواجبات والمندوبات لكن الممسك عن المندوبات لا يستحق هذا الدعاء إلا أن يغلب عليه البخل المذموم بحيث لا تطيب نفسه بإخراج الحق الذي عليه ولو أخرجه. قال السندي: لا يقال لا فائدة في هذا القول على تقدير عدم سماع الناس ذلك إذ لا يحصل به ترغيب ولا ترهيب بدون السماع لأنا نقول: تبليغ الصادق يقوم مقام السماع فينبغي للعاقل أن يلاحظ كل يوم هذا الدعاء بحيث كأنه يسمعه من الملكين فيفعل بسبب ذلك ما لو سمع من الملكين لفعل وهذا هو فائدة إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك على أن المقصود بالذات الدعاء لهذا وعلى هذا سواء علموا به أم لا والله أعلم اهـ فتح الملهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (٢/ ٣٠٥ - ٣٠٦) والبخاري (١٤٤٢).
ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث حارثة بن وهب رضي الله تعالى عنه فقال: