وقال: أحد شيخَي سفيان وهما أبو الزناد وابن جريج: (فإذا أراد المنفق وقال الآخر) منهما: (فإذا أراد المتصدق) فالمخالفة بينهما في لفظ المنفق والمتصدق والمعنى واحد أي فإذا أراد المتصدق (أن يتصدق سبغت) جنته أي امتدت وانبسطت (عليه) وغطت جميع جسمه وسترت (أو) قال أبو هريرة شك من الراوي عنه (مرت) بالراء المشددة بدل سبغت وهذا تصحيف من الرواة أيضًا وصوابه: (مدت) بالدال بدل الراء أي امتدت وانبسطت وشملت على جميع جسمه وهذا كناية عن انشراح قلبه بالصدقة (وإذا أراد البخيل أن ينفق قلصت) جنته (عليه) بفتح اللام أي انضمت والتصقت عليه جنته وانقبضت وتضيقت عليه (وأخذت كل حلفة) وسلسلة (موضعها) أي صاحبتها أي اشتدت والتصقت الحلق بعضها ببعض أي ضاقت غاية التضييق فيجتهد أن يوسعها فلا يستطيع وهذا كناية عن ضيق قلبه بالصدقة وهذا مثل البخيل.
وقوله:(حتى تجن) بضم التاء وكسر الجيم وتشديد النون أي حتى تجن وتخفى جنته (بنانه) بفتح الموحدة ونونين الأولى خفيفة أي أصبعه غاية لقوله: (سبغت عليه) فهو مؤخر عن محله لأنه صفة المتصدق أي سبغت عليه جنته واتسعت وطالت حتى سترت أصابعه (وتعفو) أي تمحو جنته لطولها (أثره) أي أثر قدمه وموطئها وقوله: (وتعفو) بالنصب أي تستر أثره يقال: عفا الشيء وعفوته أنا لازمًا ومتعديًا ويقال: عفت الدار إذا غطاها التراب والمعنى أن الصدقة تستر خطاياه كما يغطي الثوب الذي يجر على الأرض أثر صاحبه وموطئ قدمه إذا مشى بمرور الذيل عليه اهـ فتح الملهم.
وهذا أيضًا من جملة الأوهام التي اختل بها نظام الكلام فإنهم جعلوا ما جاء في وصف المتصدق وصفًا للبخيل.
وقوله:(قال) الراوي عن أبي هريرة: (فقال أبو هريرة: فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف البخيل: فهو يريد أن (يوسعها) أي أن يوسع جنته (فلا تتسع) له مؤخر عن قوله: (قلصت عليه وأخذت كل حلقة موضعها) لأنه من بعض أوصاف البخيل فصحفوه وجعلوه من أوصات المتصدق وقد عرفت موضعه ومعناه مما قررناه في حلنا.