والصبر عن الموصوفة بما ذكر من أكمل المراتب لكثرة الرغبة في مثلها وعسر تحصيلها لا سيما وقد أغتنت عن مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها ويلتحق بهذه الخصلة من وقع له نحوها كالذي دعا شابًّا جميلًا لأن يزوجه ابنةَ له جميلة كثيرة الجهاز جدًّا لينال منه الفاحشة ضعف الشاب عن ذلك وترك المال والجهاز وقد شاهد ذلك اهـ فتح الملهم.
(و) السادس (رجل تصدق بصدقة) تطوعًا نكرها ليشمل كل ما يتصدق به من قليل وكثير وظاهره أيضًا يشمل المندوبة والمفروضة.
قال القرطبي هذه صدقة التطوع في قول ابن عباس وأكثر العلماء.
(فأخفاها حتى لا تعلم) بنصب تعلم نحو سرت حتى تغيب الشمس وبرفعه نحو مرض زيد حتى لا يرجونه فعلامة الرفع فيه ثبوت النون (يمينه ما تنفق شماله) هذا مقلوب من المعروف في الحديث إنما هو (حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) كذا في هامش نسخة ويوافقه شرح النواوي ووقع في معظم روايات البخاري وغيره (حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه).
قال عياض قوله (حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله) هكذا في جميع النسخ التي وصلت إلينا من صحيح مسلم وهو مقلوب والصواب الأول وله وجه لأن السنة المعهودة في الصدقة إعطاؤها باليمين.
وقد ترجم عليه البخاري في الزكاة (باب الصدقة باليمين) قال ويشبه أن يكون الوهم فيه ممن دون مسلم اهـ قاله القاضي.
والصواب أن الوهم ليس ممن دون مسلم ولا منه بل هو من شيخه أو من شيخ شيخه يحيى القطان.
قوله (فأخفاها) الخ هو أقوى الأدلة على أفضلية إخفاء الصدقة وهو موضع الترجمة من الحديث وأما آية ({إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيرٌ لَكُمْ}[البقرة: ٢٧١] فظاهرة في تفضيل صدقة السر أيضًا ولكن ذهب الجمهور إلى أنها نزلت في صدقة التطوع ونقل الطبري وغيره الإجماع على أن الإعلان في صدقة الفرض أفضل من الإخفاء وصدقة التطوع على العكس من ذلك ونقل الزجاج أن إخفاء الزكاة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان أفضل فأما بعده فإن الظن يساء بمن أخفاها فلهذا