والمختار أن معنى الحديث أفضل الصدقة ما وقع بعد القيام بحقوق النفس والعيال بحيث لا يصير المتصدق محتاجًا بعد صدقته إلى أحد فمعنى الغنى في هذا الحديث حصول ما تدفع به الحاجة الضرورية كالأكل عند الجوع المشوش الذي لا صبر عليه وستر العورة والحاجة إلى ما يدفع به عن نفسه الأذى وما هذا سبيله فلا يجوز الإيثار به بل يحرم وذلك أنه إذا آثر غيره به أدى إلى إهلاك نفسه والإضرار بها أو كشف عورته فمراعاة حقه أولى على كل حالى فإذا سقطت هذه الواجبات صح الإيثار وكانت صدقته هي الأفضل لأجل ما يتحمله من مضض الفقر وشدة مشقته فبهذا يندفع التعارض بين الأدلة إن شاء الله تعالى.
قال القاري: المراد إما غنى مالي فضلًا عما أعطاه وإما غنى قلبي متكل على فضل مولاه ولهذا لما تصدق أبو بكر بجميع ماله قرره صلى الله عليه وسلم لما عرف من كمال حاله وأراد غيره من الصحابة ذلك فأمره بإمساك بعض ماله والله أعلم.
(واليد العليا) أي المعطية (خير من السفلى) أي الآخذة (وابدأ) في الإنفاق والصرف (بمن تعول) وتمون أي بمن تنفقهم من العيال.
قال الحافظ: قوله: (وابدأ بمن تعول) أي بمن يجب عليك نفقته يقال: عال الرجل أهله إذا مانهم أي قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة وهو أمر بتقديم ما يجب على ما لا يجب وقال ابن المنذر: اختلف في نفقة من بلغ من الأولاد ولا مال له ولا كسب فأوجبت طائفة النفقة لجميع الأولاد أطفالًا كانوا أو بالغين إناثًا وذكرانًا إذا لم يكن لهم أموال يستغنون بها وذهب الجمهور إلى أن الواجب أن ينفق عليهم حتى يبلغ الذكر أو تتزوج الأنثى ثم لا نفقة على الأب إلا إن كانوا زمنى فإن كانت لهم أموال فلا وجوب على الأب والله أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (١٤٧٢) والنسائي (٥/ ٦٩).
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث آخر لحكيم بن حزام رضي الله تعالى عنهما فقال:
(٢٢٦٨)(٩٩٩)(١٤٩)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وعمرو) بن محمد