للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ. وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ

ــ

النفقة (ومن أخذه بإشراف نفس) أي بطمع نفس وحرصها عليه.

قال العلماء: إشراف النفس تطلعها إليه وتعرضها له وطمعها فيه.

(لم يبارك له فيه) أي لا ينتفع به صاحبه إذ لا يجد له لذة نفقته ولا ثواب صدقته بل يتعب بجمعه ويذم بمنعه ولا يصل إلى شيء من نفعه ولا شك في أن الحرص على الحياة الدنيا وعلى المال مذموم مفسد للدين كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه) رواه أحمد والترمذي من حديث كعب بن مالك.

(وكان) الذي يأخذه بحرص النفس وإشرافها (كالذي يأكل) الطعام (ولا يشبع) منه أي كان هذا السائل الآخذ الصدقة في هذه الصورة لما يسلط عليه من عدم البركة وكثرة الشره والنهمة كذي آفة يزداد سقمًا بالأكل وهو المعبر عنه بجوع البقر وفي معناه مرض الاستسقاء وقيل: إن التشبيه بالبهيمة الراعية وفي هذا الحديث وما قبله وما بعده الحث على التعفف والقناعة والرضا بما تيسر في عفاف وإن كان قليلًا والإجمال في الكسب وأنه لا يغتر الإنسان بكثرة ما يحصل له بإشراف نفس ونحوه فإنه لا يبارك له فيه وهو قريب من قول الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: ٢٧٦].

وقال ابن أبي جمرة: في حديث حكيم فوائد: منها: أنه قد يقع الزهد مع الأخذ فإن سخاوة النفس هو زهدها يقال: سخت بكذا أي جادت وسخت عن كذا أي لم تلتفت إليه ومنها أن الأخذ بسخاوة النفس يحصل أجر الزهد والبركة في الرزق فتبين أن الزهد يحصل خيري الدنيا والآخرة وفيه ضرب المثل لما لا يعقله السامع من الأمثلة لأن الغالب من الناس لا يعرف البركة إلا في الشيء الكثير فتبين بالمثال المذكور أن البركة هي خلق من خلق الله تعالى وضرب لهم المثل بما يعهدون فالآكل إنما يأكل للشبع فإذا أكل ولم يشبع كان عناءً في حقه بغير فائدة وكذلك المال ليست الفائدة في عينه وإنما هي لما يتحصل به من المنافع فإذا كثر عند المرء بغير تحصيل منفعة كان وجوده كالعدم وفيه أنه ينبغي للإمام أن لا يبين للطالب ما في مسألته من المفسدة إلا عند قضاء حاجته لتقع موعظته له الموقع لئلا يتخيل إليه أن ذلك سبب لمنعه من حاجته وفيه جواز تكرار السؤال ثلاثًا وجواز المنع في الرابعة والله أعلم اهـ.

وفي الحديث أيضًا أن سؤال الأعلى ليس بعار وأن رد السائل بعد ثلاث ليس

<<  <  ج: ص:  >  >>