وقال الشافعي: الفقير الذي لا حرفة له أو له حرفة لا تقع من حاجته موقعًا والمسكين من له حرفة تقع من حاجته موقعًا ولا تكفيه وعياله.
(قالوا) أي قال الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم: (فما المسكين يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابهم المسكين الكامل الذي هو الأحق باسم المسكنة هو: (الذي لا يجد غنىً يغنيه) أي مالًا يغنيه عن سؤال الناس أي الذي لا يجد شيئًا أو مالًا يغنيه عن غيره ويكفيه مؤنته ومؤنة عياله (ولا يفطن له) أي لا يعرف بمسكنته (فيتصدق عليه ولا يسأل الناس شيئًا) من المال أو من السؤال أي الأحق باسم المسكين هذا الذي لا يجد غنىً ولا يتصدق عليه وهذا كقوله: (ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) ومثل هذا كثير اهـ من المفهم.
قال الحافظ رحمه الله: قوله: (لا يجد غنى يغنيه) فيه دلالة لمن يقول إن الفقير أسوأ حالًا من المسكين وأن المسكين هو الذي له شيء لكنه لا يكفيه والفقير الذي لا شيء له أصلًا ويؤيده قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} فسماهم مساكين مع أن لهم سفينة يعملون فيها وهذا قول الشافعي رحمه الله تعالى وجمهور أهل الحديث والفقه وعكس آخرون فقالوا المسكين أسوأ حالًا من الفقير وقال آخرون: هما سواء وهذا قول ابن القاسم وأصحاب مالك وقيل الفقير الذي يسأل والمسكين الذي لا يسأل حكاه ابن بطال والأول هو الأصح وهو المذهب اهـ فتح الملهم.
وقوله:(ولا يفطن له) بصيغة المجهول أي لا يعلم باحتياجه (فيتصدق عليه) بالرفع والنصب مجهولًا (ولا يسأل الناس شيئًا) بل يخفي حال نفسه وفيه أن المسكنة إنما تحمد مع العفة عن السؤال والصبر على الحاجة وفيه استحباب الحياء في كل الأحوال وحسن الإرشاد لوضع الصدقة وأن يتحرى وضعها فيمن صفته التعفف دون الإلحاح اهـ منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (٢/ ٢٦٠ و ٤٦٩) والبخاري (١٤٧٦) وأبو داود (١٦٣١) والنسائي (٥/ ٨٤ - ٨٥).
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: