واختُلف هل تُقبل روايتُه في المستقبل إذا ظَهَرَتْ توبتُه؟ قلتُ: المختارُ الأظهرُ قبولُ توبته كغيره من أنواع الفسق، وحُجَّةُ مَنْ رَدَّها أبدًا وإنْ حَسَنُتْ توبتُه: التغليظُ وتعظيمُ العقوبة في هذا الكذب، والمبالغة في الزَّجْر عنه كما قال صلى الله عليه وسلم:"إنَّ كَذِبًا عليَّ ليس كَكَذِبٍ على أحد".
قال القاضي: والضرب الثاني: مَنْ لا يستجيزُ شيئًا من هذا كُلِّه في الحديث، ولكنه يكذب في حديث الناس، قد عُرف بذلك، فهذا أيضًا لا تُقبل روايتُه ولا شهادتُه، وتنفعه التوبة ويرْجع إلى القبول.
فأمَّا من يندر منه القليل من الكذب ولم يُعرف به .. فلا يقطع بجرحه بمثله؛ لاحتمال الغلط عليه والوهم، وإن اعترف بتعمُّد ذلك المرة الواحدة ما لم يضر به مسلمًا .. فلا يجرح بهذا وإنْ كانت معصيةً لندُورها، ولأنها لا تلحق بالكبائر الموبقات، ولأنَّ أكثر الناس فَلَّما يَسْلَمُون مِنْ مُواقعات بعض الهَنَات، وكذلك لا يسقطها كذبه فيما هو من بابِ التعريض أو الغلوِّ في القول؛ إذْ ليس بكَذِبٍ في الحقيقة وإنْ كانت في صورة الكذب؛ لأنه لا يدخل تحت حدِّ الكذب، ولا يُرِيدُ المُتكَلِّمُ به الإخبار عن ظاهر لفظه وقد قال صلى الله عليه وسلم:(أمَّا أبو الجهم: فلا يَضَعُ العصا عن عاتِقِه! ، وقد قال إبراهيم الخليل - عليه السلام -: هذه أختي".
هذا آخر كلام القاضي رحمه الله تعالى، وقد أتقن هذا الفصل، والله أعلم) اهـ (١)