القناعة ويمكن أن يراد به ما يسد الحاجة قال الشاعر:
غنى النفس ما يكفيك عن سد حاجة ... فإن زاد شيء عاد ذاك الغنى فقرا
وقال الطيبي: ويمكن أن يراد بغنى النفس حصول الكمالات العلمية والعملية وأنشد أبو الطيب في معناه:
ومن ينفق الساعات في جمع ماله ... مخافة فقر فالذي فعل الفقر
يعني ينبغي أن ينفق ساعاته وأوقاته في الغنى الحقيقي وهو طلب الكمالات ليزيد غنى بعد غنى لا في المال لأنه فقر بعد فقر.
(قلت): يعني أن الفقر هو الحاجة ومهما زاد شيئًا من المال أو الرياسة احتاج لحفظ ذلك وعظم خوفه من زواله هذا في الدنيا واحتاج إلى استعداد عظيم وقيام بحقوق ذلك لأجل الآخرة فاستبان أن الفقر يكثر بكثرة عرض الدنيا ويقل بقلتها اهـ من السنوسي.
قال ابن بطال: معنى الحديث ليس حقيقة الغنى كثرة المال لأن كثيرا ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي فهو يجتهد في الازدياد ولا يبالي من أين يأتيه فكأنه فقير لشدة حرصه وإنما حقيقة الغنى غنى النفس وهو من استغنى بما أوتي وقنع به ورضي ولم يحرص على الازدياد ولا ألح في الطلب فكأنه غني.
وقال القرطبي: ومعنى هذا الحديث أن الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو غنى النفس وبيانه أنه إذا استغنت نفسه كفت عن المطامع فعزت وعظمت فجعل لها من الحظوة والنزاهة والتشريف والمدح أكثر ممن كان غنيا بماله فقيرا بحرصه وشرهه فإن ذلك يورطه في رذائل الأمور وخسائس الأفعال لبخله ودناءة همته فيكثر ذامه من الناس ويصغر قدره فيهم فيكون أحقر من كل حقير وأذل من كل ذليل اهـ من المفهم.
والحاصل أن المتصف بغنى النفس يكون قانعًا بما رزقه الله تعالى لا يحرص على الازدياد لغير حاجة ولا يلح في الطلب ولا يلحف في السؤال بل يرضى بما قسم الله له فكأنه واجد أبدًا والمتصف بفقر النفس على الضد منه لكونه لا يقنع بما أُعطي بل هو أبدا في طلب الازدياد من أي وجه أمكنه ثم إذا فاته المطلوب حزن وأسف فكأنه فقير من المال لأنه لم يستغن بما أعطي فكأنه ليس بغني ثم غنى النفس إنما ينشأ عن الرضا بقضاء الله تعالى والتسليم لأمره علما بأن الذي عند الله تعالى خير وأبقى فهو معرض عن الحرص والطلب.