الرزق (يصبِّره الله) أي يقوه ويمكنه من نفسه حتى تنقاد له وتذعن لتحمل الشدائد وعند ذلك يكون الله معه فيظفره بمطلوبه ويوصله إلى مرغوبه اهـ من المفهم.
وعبارة العون هنا:(ومن يستعفف) أي من يطلب من نفسه العفة عن السؤال وليست السين لمجرد التأكيد (يعفه الله) أي يجعله عفيفًا من الإعفاف وهو إعطاء العفة وهي الحفظ عن المناهي يعني من قنع بأدنى قوت وترك السؤال تسهل عليه القناعة وهي كنز لا يفنى (ومن يستغن) أي يظهر الغنى بالاستغناء عن أموال الناس والتعفف عن السؤال حتى يحسبه الجاهل غنيًّا من التعفف (يغنه الله) أي يجعله غنيًّا أي بالقلب.
لأن الغنى ليس عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس (ومن يتصبر) أي يطلب توفيق الصبر من الله لأن الله تعالى قال لنبيه: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلا بِاللَّهِ} أو يأمر نفسه بالصبر ويكلفها بتحمل مشاقه وهو تعميم بعد تخصيص لأن الصبر يشمل صبرًا على الطاعة وصبرًا عن المعصية وعلى البلية أو من يتصبر عن السؤال والتطلع إلى ما في أيدي الناس بأن يتجرع مرارة ذلك ولا يشكو حاله لغير ربه (يصبره الله) بالتشديد أي يسهل عليه الصبر فتكون الجمل مؤكدات ويؤيد إرادة معنى العموم قوله: (وما أعطي أحد) بالرفع نائب فاعل لأعطى (من عطاء) من زائدة عطاء بمعنى شيئا معطى مفعول ثان لأعطى (خير) بالرفع خبر لمبتدإ محذوف (وأوسع) معطوف على خير (من الصبر) تنازع فيه كل من خير وأوسع والجملة الاسمية صفة لعطاء بمعنى معطي أي وما أعطى أحد من الناس عطاء هو خير وأوسع وأشرح للصدر من الصبر وذلك لأن مقام الصبر أعلى المقامات لأنه جامع لمكارم الأخلاق والصفات والحالات كذا في المرقاة وفي بعض الروايات: (خيرًا وأوسع) بالنصب فيهما صفة لعطاء تابع لمحله وهي أوضح قال النواوي: كذا في نسخ مسلم خير بالرفع وهو صحيح والتقدير: هو خير وأوسع كما في رواية البخاري من طريق مالك وفي الحديث الحض على الاستغناء عن الناس والتعفف عن سؤالهم بالصبر والتوكل على الله وانتظار ما يرزقه الله وأن الصبر أفضل ما يعطاه المرء.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (٣/ ٩٣) والبخاري (١٤٦٩) وأبو داود (١٦٤٤) والترمذي (٢٠٢٤) والنسائي (٥/ ٩٥ - ٩٦).