لعامله (قال) عمر: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (والله يا رسول الله لغير هولاء) الذين أعطيتهم بفتح اللام على أنها لام قسم والمراد بغيرهم أهل الصفة قال ابن الملك: كان أحق به) أي بهذا العطاء (منهم) أي من الذين قسمت لهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنهم خيَّروني) بلسان الحال بين (أن يسألوني بالفحش) والغلظة فأعطيتهم (أو يبخِّلوني) أي ينسبوني إلى البخل إن لم أعطهم (فلست بباخل) أي بممتنع عن إعطائهم فيصفوني بالبخل.
يعني أن الذين أعطيتهم لا يخلو حالهم من أحد الأمرين إما أن يسألوني بالفحش والتعدي في الطلب أو ينسبوني إلى البخل فما أعطيتهم إنما هو لدفع الأمرين لا برضى القلب شبه النبي صلى الله عليه وسلم ما ظهر من حالهم مع نفسه بالتخيير فقال: خيروني على وجه الاستعارة اهـ مبارق.
وقوله:(فلست بباخل) أي لا يوجد في البخل على وجه الحدوث فضلًا أن يكون على وجه الثبوت ونظيره من القرآن قوله تعالى: {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ}.
قال القرطبي: قوله: (إنهم خيروني) إلخ معناه أنهم ألحوا عليه في المسألة واشتطوا في السؤال وقصدوا بذلك أحد شيئين إما أن يصلوا إلى ما طلبوه أو ينسبوه إلى البخل فاختار النبي صلى الله عليه وسلم ما يقتضيه كرمه من إعطائهم ما سألوه وصبره على جفوتهم فسلم من نسبة البخل إليه إذ لا يليق به وحلم عنهم كي يتألفهم وكأن عمر رضي الله عنه عتب عليه في ذلك نظرًا إلى أهل الدين والغناء فيه أحق بالمعونة عليه وهذا هو الذي ظهر لسعد بن أبي وقاص فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم بمصالح أخر لم تخطر لهم هي أولى مما ظهر لهم اهـ مفهم.
وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
وقوله:(إنهم خيروني) إلخ قال الأبي: الأظهر أنه بلسان الحال قال عياض: والمعنى أنهم اشتطوا عليَّ في السؤال على وجه يقتضي أنه إن أجابهم إليها حاباهم وإن منعهم آذوه وبخلوه فاختار أن يعطي إذ ليس البخل من خلقه صلى الله عليه وسلم ومداراةً وتألفًا كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره) وكما أمر الله تعالى بإعطاء المؤلفة قلوبهم كذا في إكمال المعلم وفيه أيضًا تنبيه لظنه أن الإيثار بالعطاء هو بحسب