فكلمه وأمسك بثوبه لما دخل فلما كاد يدخل الحجرة خشي أن يفوته فجبذه اهـ.
(ثم قال) الأعرابي: (يا محمد مر) وكلاءك بأن يعطوا (لي من مال الله الذي) كان (عندك) وعبارة الفتح: أي (مر وكلاءك أن يعطوا لي من مال الله أو من غير مالك الذي خص بك) كما صرح به في رواية حيث قال: (لا من مالك ولا من مال أبيك) قيل المراد به مال الزكاة فإنه كان يصرف بعضه إلى المؤلفة (فالتفت إليه) أي إلى الأعرابي (رسول الله صلى الله عليه وسلم) تعجبًا (فضحك) به تلطفًا وفي رواية الأوزاعي (فتبسم).
(ثم أمر) صلى الله عليه وسلم وكلاءه بأن يعطوا (له) أي للأعرابي (بعطاء) أي شيئًا من العطاء.
قال الحافظ: وفي هذا الحديث بيان حلمه صلى الله عليه وسلم وصبره على الأذى في النفس والمال والتجاوز على جفاء من يريد تألفه على الإسلام وليتأسى به الولاة بعده في خلقه الجميل من الصفح والإغضاء والدفع بالتي هي أحسن.
قال النواوي: وفيه العفو عن مرتكب كبيرة لا حد فيها بجهله واحتمال الجاهلين والإعراض عن مقابلتهم واباحة الضحك عند الأمور التي يتعجب منها في العادة وفيه كمال خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه وصفحه الجميل اهـ.
قال القرطبي: وهذا الحديث يدل على ما وصف الله به نبيه صلى الله عليه وسلم أنه على خلق عظيم وأنه رؤوف رحيم فإن هذا الجفاء العظيم الذي صدر من هذا الأعرابي لا يصبر عليه ولا يحلم عنه مع القدرة عليه إلا مثله ثم ضحكه صلى الله عليه وسلم عند هذه الجبذة الشديدة التي انشق البرد لها وتأثر عنقه بسببها حتى انفلت عن وجهته ورجع إلى نحر الأعرابي دليل على أن الذي تم له من مقام الصبر والحلم ما تم لأحد وهذا نظير صبره وحلمه يوم أحد حيث كسرت رباعيته وشج وجهه وصرع على جنبه وهو في هذا الحال يقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم اهـ من المفهم.