غيره، وقيل هي إضافة تشريف كقوله تعالى ناقة الله (وأنا أجزي به) أي بالصوم، ولم يذكر ماذا يجزى لكثرته، وإنما قال أنا أجزي مع أن كل جزاء العبادات منه تعالى إشارة إلى عظم ذلك الجزاء لأن الكريم إذا تولى بنفسه الجزاء اقتضى ذلك سعة الجزاء، وقيل خص الله تعالى الصوم لنفسه ليسلم من أن يأخذه الخصوم فإنهم إذا استوفوا أعمال المؤمن من عند الحساب ولم يبق له عمل أخرج له ديوان صومه فيجزى به على ذلك اهـ من المبارق (فو) الله؛ أي أقسمت بالإله (الذي نفس محمد) وروحه (بيده) المقدسة (لخلفة فم الصائم) بضم الخاء المعجمة وسكون اللام، وفي النهاية بكسر الخاء، والمذكور في القاموس خلوف وخلوفة وهو تغير رائحة الفم، وبابه قعد، وفي رواية لخلوف بضم الخاء المعجمة واللام وسكون الواو بعدها فاء، قال القاضي عياض: هذه الرواية الصحيحة، وبعض الشيوخ يقوله بفتح الخاء، قال الخطابي: وهو خطأ، واتفقوا على أن المراد به تغير رائحة فم الصائم بسبب الصيام اهـ فتح (أطيب عند الله) سبحانه وتعالى يوم القيامة كما في الرواية الآتية أو في الدنيا لحديث "فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله" (من ريح المسك) وفيه إشارة إلى أن رتبة الصوم علية على غيره لأن مقام العندية في الحضرة القدسية أعلى المقامات السنية، وإنما كان الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك لأن الصوم من أعمال السر التي بين الله تعالى وبين عبده ولا يطلع على صحته غيره تعالى فجعل الله رائحة صومه تنم عليه في المحشر بين الناس، وفي ذلك إثبات الكرامة والثناء الحسن له، وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم في المحرم: "فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا" وفي الشهيد: "يبعث وأوداجه تشخب دمًا تشهد له بالقتل في سبيل الله" ويُبعث الإنسان على ما عاش عليه، قال السمرقندي: يُبعث الزامر وتتعلق زمارته في يده فيلقيها فتعود إليه ولا تفارقه، ولما كان الصالْم يتغير فمه بسبب العبادة والنفوس تكره الرائحة الكريهة في الدنيا جعل الله تعالى رائحة فم الصائم عند الملائكة أطيب من ريح المسك في الدنيا وكذا في الدار الآخرة فمن عَبَدَ الله تعالى وطلب رضاه في الدنيا فنشأ من عمله آثار مكروهة في الدنيا فإنها محبوبة له تعالى وطيبة عنده لكونها نشأت عن طاعته واتباع مرضاته ولذلك كان دم الشهيد ريحه يوم القيامة كريح المسك وغبار المجاهدين في سبيل الله ذريرة أهل الجنة كما ورد في حديث مرسل