للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلا بَاعَدَ اللهُ، بِذلِكَ الْيَوْمِ، وَجْهَهُ عَنِ النارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا"

ــ

أي من جمع بين الصوم ومشقة الغزو أو معناه صام يومًا لوجه الله تعالى اهـ مرقاة (إلا باعد الله) أي أبعد الله (بـ) سبب صوم (ذلك اليوم وجهه) أي وجه الصائم أو ذاته (عن النار) الأخروية (سبعين خريفًا) أي عامًا أي إلا بعده عنها مسافة سبعين عامًا يعني أنه نحاه عنها وعافاه منها، قال ابن الملك: عبّر عن تنحيته بطريق التمثيل ليكون أبلغ لأن من كان بعيدًا عن عدوه بهذا المقدار لا يصل إليه البتة، وأراد بالخريف وهو الفصل الثالث من فصول السنة الأربعة المجموعة في قول بعضهم:

ربيع صيف من الأزمان ... خريف شتاء فخذ بياني

تمام السنة ذكرًا للجزء وارادة للكل اهـ منه.

وأوّل النواوي وغيره المباعدة من النار على المعافاة منها دون أن يكون المراد البعد بهذه المسافة المذكورة في الحديث. [قلت]: لا مانع من الحقيقة على ما لا يخفى، ثم هذا يقتضي إبعاد النار عن وجه الصائم، وفي أكثر الطرق إبعاد الصائم نفسه، فإذا كان المراد من الوجه الذات كما في قوله تعالى {كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} يكون معناهما واحدًا وإن كان المراد حقيقة الوجه يكون الإبعاد من الوجه فقط وليس فيه أن يبقى الجسد في النار لتناله إلا أن الوجه كان أبعد من النار من سائر جسده وذلك لأن الصيام يحصل منه الظمأ ومحله الفم لأن الري يحصل بالشرب في الفم كذا في عمدة القاري، وقوله (سبعين خريفًا) والخريف زمان معلوم من السنة، والمراد به هنا العام، وتخصيص الخريف بالذكر دون بقية الفصول الربيع والصيف والشتاء لأن الخريف أزكى الفصول لكونه يجنى فيه الثمار، قال القرطبي: ورد ذكر السبعين لإرادة التكثير كثيرًا اهـ، ويؤيده أن النسائي أخرج الحديث المذكور عن عقبة بن عامر، والطبراني عن عمرو بن عَبَسَة، وأبو يعلى عن معاذ بن أنس فقالوا جميعًا في رواياتهم (مائة عام) وفي بعض الروايات عند ابن عدي (خمسمائة عام) وفي حديث أبي أمامة عند الترمذي (جعل الله بينه وبين النار خندقًا كما بين السماء والأرض) وفي حديث سلامة بن قيصر عند الطبراني في الكبير بعد غراب طار وهو فرخ حتى مات هرمًا، وأصح الروايات فيها رواية سبعين خريفًا فإنها متفق عليها من حديث أبي سعيد، ويحتمل أن يكون ذلك بحسب اختلاف أحوال الصائمين في كمال الصوم ونقصانه والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>