ابن شهاب أنه كان يقول: عجبًا للمسلمين تركوا الاعتكاف والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله تعالى (ثم اعتكف أزواجه من بعده) صلى الله عليه وسلم قال الزبيدي: فأشارت إلى استمرار حكم الاعتكاف حتى في حق النساء، فكن أمهات المؤمنين يعتكفن بعد النبي صلى الله عليه وسلم من غير نكير، وإن كان هو في حياته قد أنكر عليهن الاعتكاف بعد إذنه لبعضهن كما في الحديث الصحيح لأن إنكاره عليهن لمعنى آخر فقيل خوف أن يكن غير مخلصات في الاعتكاف بل أردن التقرب منه صلى الله عليه وسلم لغيرتهن عليه أو ذهاب المقصود من الاعتكاف بكونهن معه في المعتكف أو لتضييقهن المسجد بابنيتهن، وعند أبي حنيفة إنما يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها وهو الموضع المهيأ في بيتها لصلاتها والله سبحانه وتعالى أعلم، ثم لا شك أن اعتكافه صلى الله عليه وسلم كان في مسجده وكذا اعتكاف أزواجه فأخذ منه اختصاص الاعتكاف بالمساجد وأنه لا يجوز في مسجد البيت وهو الموضع المهيأ للصلاة فيه، لا في حق الرجل، ولا في حق المرأة إذ لو جاز في البيت لفعلوه ولو مرة لما في ملازمة المسجد من المشقة لا سيما في حق النساء اهـ، قال الحافظ: وقد أطلق الشافعي كراهته لهن في المسجد الذي تصلى فيه الجماعة واحتج بحديث الأخبية الآتي في الباب التالي فإنه دال على كراهة الاعتكاف للمرأة إلا في مسجد بيتها لأنها تتعرض لكثرة من يراها، وقال ابن عبد البر: لولا أن ابن عيينة زاد في الحديث أي حديث الباب أنهن يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف لقطعت بأن اعتكاف المرأة في مسجد الجماعة غير جائز اهـ، وشرط الحنفية لصحة اعتكاف المرأة أن تكون في مسجد بيتها، وفي رواية لهم أن لها الاعتكاف في المسجد مع زوجها وبه قال أحمد، قال الزبيدي: والذي في كتب أصحابنا المرأة تعتكف في مسجد بيتها، ولو اعتكفت في مسجد الجماعة جاز فالأول أفضل، ومسجدٌ جَنْبَها أفضلُ لها من المسجد الأعظم، وليس لها أن تعتكف في غير موضع صلاتها من بيتها، وإن لم يكن فيه مسجد لا يجوز لها الاعتكاف فيه اهـ فتح الملهم.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والله أعلم.