الياء (حتى اكتويت) أي حرقت جسمي بالميسم لعلاج مرض الباسور الذي كان بي (فتركت) بالبناء للمجهول؛ أي تركت الملائكة السلام علي لعدم صبري وتركي التوكل على الله تعالى (ثم تركت) بفتح التاء الأولى وضم التاء الثانية على صيغة المعلوم المسند إلى المتكلم؛ أي ثم تركت (الكي فعاد) أي رجع السلام علي من الملائكة، قال النواوي: معنى هذا الحديث أن عمران بن حصين كانت به بواسير فكان يصبر على ألمها وكانت الملائكة تسلم عليه فاكتوى فانقطع سلامهم عليه، ثم ترك الكي، فعاد سلامهم عليه اهـ، وعبارة القرطبي: يعني أن الملائكة كانت تسلم عليه إكرامًا له واحترامًا إلى أن اكتوى فتركت السلام عليه، ففيه إثبات كرامات الأولياء وأن الكي ليس بمحرم ولكن تركه أولى اهـ من المفهم، قال ابن حجر: وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي عن عمران نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا اهـ ففيه استدلال على كراهية الكي، وهو كما في تيسير المناوي منهي عنه مكروه لشدة ألمه وخطره فإن اعتقد أنه علة للشفاء لا سبب له فهو حرام، وفي أحاديث كتاب الطب من صحيح البخاري (وأنهى أمتي عن الكي وما أحب أن أكتوي)، ذكرهما عليه الصلاة والسلام عقب عده الكي في عداد الأشفية فهو كما في فتح الباري لا يترك مطلقًا ولا يستعمل مطلقًا بل يستعمل عند تعينه طريقأ إلى الشفاء مع مصاحبة اعتقاد أن الشفاء بإذن الله تعالى وبه يتبين محل النهي، ومن أمثال العرب قولهم: آخر الدواء الكي اهـ من بعض الهوامش.
قال الأبي: كلام الملائكة عليهم الصلاة والسلام غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يصح، وكان الشيخ ابن عبد السلام يحكي عن بعض الغلاة من شيوخ زمنه أن من قال اليوم كلمتني الملائكة يستتاب، والحديث يرد عليه، والصواب أن ذلك يختلف بحسب حال من زعمه فإن كان متصفًا بالصلاح تجوز عنه وإلا زجر عن قول ذلك بحسب ما يراه الحاكم، ومن هذا المعنى ما يتفق لبعضهم أن يقول قيل لي وخوطبت، وكان الشيخ يشدد القول فيه، وفي إنكاره على من زعمه اهـ منه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه فقال: