أُرَانِي قَدْ رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ قَال: فَصِفْهُ لِي. قَال: قُلْتُ: رَأَيتُهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ عَلَى نَاقَةٍ. وَقَدْ كَثُرَ النَّاسُ عَلَيهِ. قَال: فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: ذَاكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يُدَعُّونَ عَنْهُ وَلَا يُكْرَهُونَ
ــ
[تتمة] وأبو الطفيل كما مر ولد عام أحد أدرك من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين، ثم نزل الكوفة، وشهد مع علي مشاهده كلها، فلما استشهد علي عاد إلى مكة فأقام بها إلى أن مات سنة مائة أو سنة عشر ومائة، وهو آخر من مات من الصحابة على الإطلاق، وكان يقول: ما على وجه الأرض اليوم أحد رأى النبي صلى الله عليه وسلم غيري، وكان ممن روى عنه أبو حنيفة، وكان شاعرًا فاضلًا ومن شعره:
وما شاب رأسي من سنين تتابعت ... علي ولكن شيبتني الوقائع
(أراني) أي أرى نفسي وأظنها أني (قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أظن نفسي أنها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) ابن عباس لي إن كنت كذلك (فصفه لي) أي فصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لي (قال) أبو الطفيل (قلت) لابن عباس (رأينه) صلى الله عليه وسلم (عند المروة) راكبًا (على ناقة وقد كثر الناس) وازدحموا (عليه قال) أبو الطفيل (فقال) لي (ابن عباس) صدقت فيما قلت (ذاك) الراكب هو (رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم) إن الناس أي وإنما ازدحموا عليه لأنهم (كانوا لا يُدعّون) -بضم الياء وفتح الدال وضم العين المشددة -أي لا يدفعون ولا يذبون (عنه) صلى الله عليه وسلم، ومنه قوله تعالى:{يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا}[الطور: ١٣] وقوله تعالى: {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ}[الماعون: ٢](ولا يكرهون) أي لا يزجرون ولا يمنعون عنه صلى الله عليه وسلم، وفي بعض الأصول من صحيح مسلم يكرهون من الإكراه، وفي بعضها يكهرون بتقديم الهاء على الراء كما هنا من الكهر وهو الانتهار والزجر، قال القاضي: وهذا أصوب، وقال: وهو رواية الفارسي والأول رواية ابن ماهان والعذري.
قال الراغب: الدعّ الدفع الشديد، والكهر الانتهار، يقال كهره يكهره كقهره يقهره إذا زبره واستقبله بوجه عبوس، والمعنى إن الناس لا يُطردون عن قربه لا بالفعل ولا بالقول فيزاحمونه لكمال حلمه وتواضعه صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: