سرجس (رأيت الأصلع يعني عمر بن الخطاب) أمير المؤمنين رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا عمر بن الخطاب وخلف بن هشام وقتيبة بن سعيد، غرضه بيان متابعة عبد الله بن سرجس لعبد الله بن عمر، والأصلع هو الذي انحسر شعر مقدم رأسه لطبيعة وكان سيدنا عمر رضي الله عنه بهذه الصفة ولأنه نعته في الكتب القديمة يقال إنهم كانوا يقولون أعني نصارى الشام إن الذي يفتح بيت المقدس الأصلع والله أعلم اهـ من المفهم. ولا يكره ذلك في الرجال بل العرب تمدح به، وبالنزع وهو بفتحتين انحسار شعر الرأس من جانبي الجبهة لأنه آية الذكاء والسخاء، وتذم بالغمم وهو أيضًا بفتحتين سيلان شعر الرأس حتى تضيق منه الجبهة أو القفا لأنه علامة الغباوة والبخل قال الشاعر:
ولا تنكحي إن فرق الدهر بيننا ... أغم القفا والوجه ليس بأنزعا
وفي قوله (رأيت الأصلع) أنه لا بأس بلقبه ووصفه الذي لا يكرهه، وإن كان قد يكره غيره مثله (يقبل الحجر) الأسود (ويقول والله إني لأقبلك وإني أعلم أنك حجر) من الأحجار (وأنك لا تضر) من لا يقبلك (ولا تنفع) من قبلك بذاتك، وإن كان امتثال ما شرع فيك ينفع بالجزاء والثواب، والمعنى أنك لا قدرة لك على جلب نفع ولا دفع ضر وأنك حجر مخلوق كسائر المخلوقات التي لا تضر ولا تنفع.
وإنما قال ذلك لئلا يغتر به بعض قريبي العهد بالإسلام ممن ألفوا عبادة الأحجار فيعتقدون نفعه وضره بالذات فبين عمر رضي الله عنه أنه لا يضر ولا ينفع لذاته، وإن كان امتثال ما شرع فيه ينفع باعتبار الجزاء وليشيع في الموسم فيشتهر ذلك في البلدان المختلفة أفاده النواوي، ونقله ملا علي عن الطيبي شارح المشكاة ثم تعقبه بقوله فيه إنه لا يظن بأرباب العقول ولو كانوا كفارًا أن يعتقدوا أن الحجر ينفع ويضر بالذات وإنما هم يعبدون الأحجار معللين بأن هؤلاء شفعاؤنا عند الله، والفرق بيننا وبينهم أنهم كانوا يفعلون الأشياء من تلقاء أنفسهم ما أنزل الله بها من سلطان بخلاف المسلمين فإنهم يصلون إلى الكعبة بناءً على ما أمر الله تعالى ويقبلون الحجر بناءً على متابعة رسول الله وإلا فلا فرق في حذ الذات ولا في نظر العارف بالموجودات بين بيت وبيت ولا بين