(في الحديث فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) أي عن طوافهم بين الصفا والمروة، والفاء في قوله (فقالوا) زائدة في جواب لما أي لما سألوه عن ذلك قالوا في سؤالهم (يا رسول الله إنا كنا نتحرج) أي نعد الحرج والذنب (أن نطوف) أي طوافنا (بالصفا والمروة) كراهية لذينك الصنمين وحبهم صنمهم الذي بالمشلل أو المعنى نحترز الحرج ونخاف الإثم في طوافنا بين الصفا والمروة (فأنزل الله عزَّ وجلَّ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَو اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} الآية قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها بالسند السابق (قد سن رسول الله) أي فرض وأوجب رسول الله (صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما) على من حج واعتمر (فليس لأحد) حج أو اعتمر (أن يترك الطواف بينهما) أي السعي بينهما، وفي بعض الهوامش قوله (كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة) أي نك أنفسنا من حرج هذا الطواف أي إثمه ونجانبه، قال في المصباح بعدما فسر الحرج بالإثم ما نصه: وتحرج الإنسان تحرجًا هذا مما ورد لفظه مخالفًا لمعناه، والمراد فعل فعلًا جانب به الحرج كما يقال تحنث إذا فعل ما يخرج به عن الحنث، قال ابن الأعرابي: للعرب أفعال تخالف معانيها ألفاظها قالوا تحرج وتحنث وتأثم وتهجد إذا ترك الهجود اهـ ومنها تحوب إذا ألقى الحوب وهو الإثم عن نفسه وتلوم إذا تربص بالأمر يريد إلقاء الملامة عن نفسه، قال المرقش:
يا صاحبي تلوَّما لا تعجلا ... إن النجاح رهين أن لا تعجلا اهـ
وقولها (قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما) قال القرطبي: سن بمعنى شرع وبين وهو ركن واجب من أركان الحج والعمرة عند جمهور السلف وفقهاء الخلف ولا ينجبر بالدم ومن تركه أو شوطًا منه عاد إليه ما لم يصب النساء فإن أصاب أعاد قابلًا حجة أو عمرة، واستدل للجمهور بأن الله تعالى قد جعله من الشعائر وفعله النبي صلى الله عليه وسلم وقال "خذوا عني مناسككم" وبحديث أم حبيبة بنت أبي تجراة