على التقصير ولوكانا مباحين لما كان لأحدهما مزية على الآخر في نظر الشرع، واختلف القائلون بكونهما نسكين في الموجب لأفضلية الحلاق على التقصير فقيل لما ذكر عن ابن عباس قال: حلق رجال يوم الحديبية، وقصر آخرون فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم ارحم المحلقين" ثلاثًا قيل: يا رسول الله لم ظاهرت لهم بالترحم؟ قال:"لأنهم لم يشكوا" رواه ابن ماجه [٣٠٤٥] وحاصله أنَّه أمرهم يوم الحديبية بالحلاق فما قام منهم أحد لما وقع في أنفسهم من أمر الصلح، فلما حلق النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا للمحلقين أو استغفر لهم ثلاثًا وللمقصرين واحدة فبادروا إلى ذلك، قال أبو عمر بن عبد البر: وكون ذلك يوم الحديبية هو المحفوظ، وقيل بل كان ذلك في حجة الوداع كما روته أم الحصين من طريق قتادة، وهو إمام ثقة، وإنما كان الحلاق أفضل لأنه أبلغ في العبادة وأدل على صدق النية في التذلل لله تعالى لأنَّ المقصر مبق على نفسه بعض الزينة التي ينبغي للحاج أن يكون مجانبًا لها والله أعلم، والمحصر في الحلاق والتقصير كغيره في كون ذلك نسكًا له، وقال أبو حنيفة وصاحباه: ليس على المحصر شيء من ذلك، ويرد حلاقه - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية، ولا خلاف في أن حكم النساء التقصير وأن الحلاق غير لازم لهن عندنا وعند كثير من العلماء على أن الحلاق لهن غير جائز لأنه مثلة فيهن، ويدل على أنَّه ليس بمشروع لهن بما رواه أبو داود عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس على النساء الحلق إنما على النساء التقصير" وجمهورهم على أن من لبد أو عقص أو ضفر لزمه أن يحلق ولا يقصر للسنة الواردة بذلك ولأن التقصير لا يعم الشعر، ومن سنته عموم التقصير، وخالف في هذا أصحاب الثوري وقالوا: إن الملبد والمضفر كغيرهما يجزئهما التقصير اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٢/ ١١٩ و ١٤١]، والبخاري [١٧٢٧]، وأبو داود [١٩٧٩]، والترمذي [٩١٣]، وابن ماجه [٣٠٤٤].
ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - فقال:
٣٠٢٥ - (. . .)(. . .)(وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر) - رضي الله عنهما -. وهذا السند أيضًا من رباعياته