كونها في الرابعة أن قوله والمقصرين معطوف على مقدر تقديره رحم الله المحلقين، وإنما قال ذلك بعد أن دعا للمحلقين ثلاث مرات صريحًا ويكون دعاؤه للمقصرين في الرابعة، وقد رواه أبو عوانة في مستخرجه من طريق الثوري عن عبيد الله بلفظ قال في الثالثة والمقصرين، والجمع بينهما واضح بأن من قال في الرابعة فعلى ما شرحناه ومن قال في الثالثة أراد أن قوله والمقصرين معطوف على الدعوة الثالثة وأراد بالثالثة مسئلة السائلين في ذلك، وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يراجع بعد ثلاث كما ثبت ولو لم يدع لهم بعد ثالث مسئلة ما سألوه في ذلك، وأخرجه أحمد من طريق أيوب عن نافع بلفظ:"اللهم اغفر للمحلقين" قالوا: والمقصرين، حتى قالها ثلاثًا أو أربعًا ثمَّ قال:"والمقصرين" ورواية من جزم مقدمة على رواية من شك كذا في الفتح، ويؤيده ما في حديث أبي هريرة الآتي بعده، قال الحافظ: وفي الحديث من الفوائد أن التقصير يجزئ عن الحلق وهو مجمع عليه إلا ما روي عن الحسن البصري أن الحلق يتعين في أول حجة حكاه ابن المنذر بصيغة التمريض وقد ثبت عن الحسن خلافه قال ابن أبي شيبة: حدثنا عبد الأعلى، عن هشام، عن الحسن في الذي لم يحج قط فإن شاء حلق وإن شاء قصر، نعم روى ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال إذا حج الرجل أول حجة حلق، فإن حج أخرى فإن شاء حلق وإن شاء قصر، ثمَّ روى عنه أنَّه قال: كانوا يحبون أن يحلقوا في أول حجة وأول عمرة اهـ وهذا يدل على أن ذلك للاستحباب لا للزوم هذا إذا أمكن كل منهما فإن تعذر أحدهما تعين الممكن منهما أو تعذرا أمرَّ الموسى على رأسه مثال تعذر الحلق مع إمكان التقصير أن يفقد آلة الحلق أو من يحلقه أو يضره الحلق لنحو صداع أو قروح برأسه، ومثال تعذر التقصير دون الحلق كأن لبد شعره بنحو صمغ فيتعين الحلق، مثال تعذرهما جميعًا كأن كان رأسه أقرع أو أصلع أو ذا قروح وشعره قصير، ثمَّ قال الحافظ: وفي الحديث أن الحلق أفضل من التقصير، ووجهه أنَّه أبلغ في العبادة وأبين للخضوع والذلة وأدل على صدق النية، والذي يقصر يبقي على نفسه شيئًا مما يتزين به بخلاف الحلق فإنَّه يشعر بأنه ترك ذلك لله تعالى، وفيه إشارة إلى التجرد ومن ثمَّ استحب الصالحون إنقاء الشعر عند التوبة والله أعلم اهـ.