الرجل يُعيل إذا كثر عياله فليس مرادًا هنا (رعاء الشاء) والرعاء بكسر الراء وبالمد جمع راع وأصل الرعي الحفظ قال النووي: ويجمع أيضًا على رعاة كغزاة (والشاء) جمع شاة وهو من الجمع الذي يفرق بينه وبين واحده بالهاء، وهو كثير فيما كان خلقةً لله تعالى كشجرة وشجر وثمرة وثمر، وإنما خص أهل الشاء بالذكر لأنهم أضعف أهل البادية، وجملة قوله (يتطاولون) أي يتفاخرون (في البنيان) أي في طولها، في محل النصب حال من مفعول ترى لأن الرؤية هنا بصرية.
وهذه الأوصاف هي الغالبة على أهل البادية، ومقصود هذا الحديث الإخبار عن تبدل الحال وتغيره بأن يستولي أهل البادية الذين هم هذه صفاتهم على أهل الحاضرة ويتملكوا بالقهر والغلبة فتكثر أموالهم وتتسع في حطام الدنيا آمالهم، فتنصرف هممهم إلى تشييد المباني وهدم الدين وشريف المعاني، وأن ذلك إذا وجد كان من أشراط الساعة ويؤيد هذا ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس لكع بن لكع" رواه أحمد (٥/ ٣٨٩) والترمذي (٢٢١٠) واللكع اللئيم، وقد شوهد هذا كله الآن عيانًا، فكان ذلك على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى قرب الساعة حجة وبرهانًا.
وفيه دليل على كراهية ما لا تدعو الحاجة إليه من تطويل البناء وتشييده، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "يؤجر ابن آدم في كل شيء إلا ما يضعه في هذا التراب" رواه البخاري (٥٦٧٢) بلفظ: "إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب" ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يضع حجرًا على حجر، ولا لبنة على لبنة، أي لم يشيد بناءً ولا طوله ولا تأنق فيه اهـ من المفهم.
(فإن قلت) الساعة كما ذكر الله تعالى شيء عظيم فأشراطها ينبغي أن تكون كذلك فالدجال وإِخوانه من ذلك القبيل فما وجه العظم في أن تلد الأمة ربتها وتطاول الرعاء في البنيان (قلت) هو إما باعتبار ما يشعر أن به من تبدل الحال وتغيرها بانقلاب الأعزة أذلة كما في جعلها كناية عن كثرة أولاد السراري، فإن الأمهات بعد عزة التربية والحاجة إليهن في ذلك صرن ذليلات بالسلاطة عليهن، وإما باعتبار ما يشعر أن به من تناهي الحال المنذرة بالانحطاط وقرب الساعة، وإما باعتبار ما يشعر أن به من تغيير أحكام الله