فَقَال: مَعَاذَ الله، أَنْ أَرُدَّ شَيئًا نَفَّلَنِيهِ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ. وَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيهِم
ــ
(فقال) سعد (معاذ الله) أي عياذًا بالله وهو مصدر ناب عن فعله فحذف عامله وجوبًا أي أعوذ بالله من (أن أرد) عليكم (شيئًا نفلنيه رسول الله على الله عليه وسلم) أي أباح في رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه زيادة على ما أعطانيه في حياته من نصيبي من الغنيمة (وأبي) سعد أي امتنع (أن يرد عليهم) ما أخذه من العبد، وقوله:(شيئًا نفلنيه) بتشديد الفاء أي جعلنيه أو أعطانيه نفلًا أي غنيمة بإذنه لكل من رأى في المدينة صائدًا أو قاطع شجر أن يأخذ سلبه اهـ فتح الملهم، قال القاري: وفي رواية فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه، وفي أخرى إنه كان يخرج فيجد الحاطب معه شجر رطب فيسأله فيكلمه فيه فيقول: لا أدع غنيمة غنمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني من أكثر الناس مالًا، وأصل النفل بفتحتين زيادة يعطيها الإمام لمن رأى فيه نفعًا للمسلمين زيادة على سهمه، قال القرطبي: وإنما فعل سعد هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في حق من صاد في حرم المدينة كما رواه أبو داود من حديث سعد أيضًا وذكر نحو حديث مسلم في الشجر ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أخذ أحدًا بصيد في حرم المدينة فليسلبه" رواه أبو داود [٢٠٣٧] وكأن سعدًا قاس قطع شجرها على صيدها بجامع كونهما محرمين بحرمة الموضع، وهذا كله مبالغة في الردع والزجر لا أنها حدود ثابتة في كل أحد وفي كل وقت، وامتناعه من رد السلب لأنه رأى أن ذلك أدخل في باب الإنكار والتشديد، ولتنتشر القضية في الناس فيكفوا عن الصيد وقطع الشجر اهـ من المفهم. وانفرد الإمام مسلم رحمه الله تعالى برواية هذا الحديث عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد [١/ ١٦٨].
قال النواوي رحمه الله تعالى: هذا الحديث صريح في الدلالة لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجماهير في تحريم صيد المدينة وشجرها كما سبق، وخالف فيه أبو حنيفة كما قدمناه عنه، وقد ذكر هنا مسلم في صحيحه تحريمها مرفوعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وأنس بن مالك وجابر بن عيد الله وأبي سعيد وأبي هريرة وعبد الله بن زيد ورافع بن خديج وسهل بن حنيف، وذكر غيره من رواية غيرهم أيضًا فلا يلتفت إلى من خالف هذه الأحاديث