الأدب أفخم، قال الزمخشري في قوله تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} إلى قوله: {دَرَجَاتٍ} الظاهر أنه أراد نفسه، وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله ما لا يخفى، وقد سئل الحطيئة عن أشعر الناس فقال: زهير والنابغة، ثم قال: ولو شئت لذكرت الثالث أراد نفسه، ولو صرح به لم يفخم أمره اهـ (وإنه) أي وإن إبراهيم (دعاك لمكة) أن تبارك فيها، قال الأبي: دعاء إبراهيم - عليه السلام - هو قوله:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ} الآية يعني ما رزقهم من الثمرات بأن تجلب إليهم لعلهم يشكرونه على أن رزقوا أنواع الثمار حاضرة في واد ليس فيه نجم ولا شجر ولا ماء، وقد أجاب الله سبحانه دعوته فجعله حرمًا آمنًا تجبى إليه ثمرات كل شيء رزقًا من لدنه، وقد أجاب الله سبحانه دعاء محمد صلى الله عليه وسلم وضاعف خير المدينة على خير مكة في زمن الخلفاء بأن جلب إليها من مشارق الأرض ومغاربها كنوز كسرى وقيصر وخاقان ما لا يحصى كثرة، وفي آخر الأمر يأرز الدين إليها من أقصى الأرض وشاسع البلاد اهـ (وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك) إبراهيم (لمكة و) بـ (مثله) أي وأدعوك بمثل ذلك المثل (معه) أي مع ذلك المثل ومثله بالجر معطوف على المثل؛ والمعنى أدعوك بضعف ما دعاك إبراهيم عليه السلام لمكة في أمر الرزق والدنيا فإن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قال في دعائه:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوي إِلَيهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}(قال) أبو هريرة: (ثم يدعو) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أصغر وليد له) أي أصغر أولاد له يعني من أهل البيت (فيعطيه ذلك الثمر) قال القاضي عياض: فيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الرفق بالصغير والكبير وتخصيصه الصغار بالدفع إليهم إذ هم أولى لشدة حرصهم على ذلك، وقيل: يحتمل أنه طلبه الأجر بدفعها لمن لا ذنب عليه، وتخصيصه أصغر وليد يحضره إذ ليس فيه ما يقسم على الولدان، وأما من كبر فإنه يتخلق بأخلاق الرجال في الصبر ويلوح في أنه تفاؤل بنماء الثمار وزيادتها بدفعها لمن هو في سن النماء والزيادة كما قيل في قلب الرداء في الاستسقاء (قلت): وقيل: إنما خصهم بذلك للمناسبة الواقعة بين الولدان وبين الباكورة لقربهما من الإبداع اهـ.
وعبارة القرطبي: وتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الثمر أصغر وليد يراه