للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَرْحَمُكَ اللهُ

ــ

وجعلُها من متعلّقات الجزاءِ أَوْلَى؛ لأنه يكون وجودُ المؤلَّف معلَّقًا على وجودِ شيءٍ مطلق.

وأمَّا أصلُها: فهو (مهما يَكُنْ من شيءِ. . .) كما تقدّم.

وأمَّا حُكْمُ الإِتيانِ بها: فالاستحبابُ؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يأتي بأمَّا بعدُ في خُطَبِه ورسائلِه.

وأمَّا أولُ مَنْ تَكَلَّمَ بها: فقد نَظَمَ الخلافَ فيهِ بعضُهم بقوله (١):

جرى الخلف أمَّا بعدُ مَنْ كان بادئًا ... بها خمس أقوال وداود أقربُ

وكانت له فصل الخطاب وبعده (٢) ... فقُسٌّ فسَحْبان فكعب فيَعْرُبُ (٣)

وأمَّا الفاءُ: فإنها رابطةٌ لجواب أمَّا بشرطها.

والخطابُ في قوله: (فإِنَّكَ) وفيما بعدَه من جميع الخُطْبة لأحد تلاميذه الذي طَلَبَ منه كتابةَ صحيحهِ الجامع (٤)، وهي عادةٌ قديمةٌ بأن يذكر المؤلِّفُ سببَ التأليف، والكافُ ضميرُ المخاطَب في محل النصب اسم إِنَّ.

وقولُه: (يَرْحَمُكَ اللهُ) أي: أَحْسَنَ اللهُ سبحانه إِليك، جملةٌ دعائيةٌ خبريةٌ لفظًا إِنشائية معنىً لقصده بها الإنشاء فلا تفيد الإنشاء إِلا بالقصد؛ لأنَّ الجملةَ المضارعيةَ موضوعةٌ للإِخبار، فتَتوَقَّفُ إِفادتُها الإِنشاءَ على القصد.


(١) انظر "حاشية البيجوري على ابن قاسم" (١/ ٨)، وفيه: مَنْ كان قائلًا لها. . .
(٢) قلتُ: قد ذكر هذه الأقوال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (٢/ ٤٠٤) وزاد عليها، ثم قال: (والأول أشبه، ويُجمع بينه وبين غيره بأنه بالنسبة إِلى الأولية المحضة، والبقية بالنسبة إِلى العرب خاصّة، ثم يُجمع بينها بالنسبة إِلى القبائل).
(٣) قوله: (فقُسٌّ) هو ابنُ سَاعِدة، و (سَحْبان) هو ابن وائل، و (كعب) هو ابن لؤي، و (يَعْرُبُ) هو ابنُ قَحْطان. اهـ مؤلفه
(٤) قلتُ: لعلّه أحمد بن سلمة بن عبد الله، أبو الفضل البزّار المعدِّل النيسابوري، المتوفى سنة ستّ وثمانين ومائتين، فقد قال الخطيب البغدادي في ترجمته في "تاريخ بغداد" (٤/ ١٨٦): (رَافَقَ مسلمَ بنَ الحَجَّاج في رحلتهِ إِلى قتُيبة بن سعيد، وفي رحلتِه الثانية إِلى البصرة، وكتب بانتخابه على الشيوخ، ثم جَمَعَ له مسلمٌ الصحيحَ في كتابه)، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>