وإنما تأخر بالنسبة إلى هذا السائل الخاص وليس التأسيس على التقوى خاصًّا بمسجد المدينة، وإنما سئل عنه من حيث ما المراد به في الآية اهـ لكن الرد على من قال من المفسرين أنه مسجد قباء ليس هينًا لأن في سياق الآية الكريمة مؤيد ذلك فإن المفسرين لم يختلفوا في أن قوله تعالى:{فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} نزل في أهل قباء كما يظهر بالمراجعة لكتبهم، وقال بعضهم: كل من المسجدين مراد في الآية لأن كلًّا منهما أسس على التقوى من أول يوم تأسيسه، والسر في التخصيص الواقع في جواب النبي صلى الله عليه وسلم دفع ما توهمه السائل من اختصاص ذلك بمسجد قباء والتويه بمزية هذا على ذاك اهـ، قال حميد بن زياد الخراط:(قال) أبو سلمة بن عبد الرحمن: (فقلت) لعبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري (أشهد أني سمعت أباك) أبا سعيد الخدري (هكذا) أي مثل هذا الذي ذكرته لي (يذكره) للناس ويحدّثه.
قال القرطبي: قوله: (هو مسجدكم هذا لمسجد المدينة) يرد قول ابن عباس إذ قال إنه مسجد قباء قال: لأنه أول مسجد بني في الإسلام، وهذا السؤال صدر ممن ظهرت له المساواة بين مسجدين معينين لهما مزية على غيرهما من المساجد بحيث يصلح أن يقال على كل واحد منهما أُسِّسَ على التقوى، وذلك أنه رأى مسجد قباء أول مسجد بناه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وذلك أنه لما هاجر صلى الله عليه وسلم نزل علي بني عمرو بن عوف في قباء يوم الاثنين فأقام فيهم أيامًا وأسس فيها مسجد قباء ثم إنه ارتحل عنهم يوم الجمعة إلى بني سالم بن عوف فصلى عندهم الجمعة، وهي أول جمعة جُمعت في الإسلام، ثم إنه دخل المدينة فنزل علي بني مالك بن النجار على أبي أيوب فأسس مسجده بالمربد الذي كان للغلامين اليتيمين فاشتراه من الناظر لهم على ما تقدم في كتاب الصلاة، فلما تساوى المسجدان المذكوران في بناء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لهما صار كل واحد من المسجدين مؤسسًا على التقوى، فلما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ}[التوبة: ١٠٨] أشكل التعيين فسئل عن ذلك فأجاب بأنه مسجد المدينة فإن قيل إذا كان كل واحد منهما أُسس على التقوى فما المزية التي أوجبت تعيين مسجد المدينة (قلت): يمكن أن يقال إن بناء مسجد قباء لم يكن بأمر جزم من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بل ندب إليه أوكان رأيًا رآه بخلاف مسجد المدينة فإنه أمر بذلك وجُزم عليه فأشبه امتثال الواجب فكان