أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيدِ اللهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرَ الرَّأْسِ، نَسْمَعُ دَويَّ صَوْتِهِ وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ،
ــ
(أنه) أي أن أبا أبي سهيل (سمع طلحة بن عبيد الله) بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن مرة التيمي أبا محمد المدني شهد أحدًا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان بالشام حين غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا وقدم بعد ما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من بدرٍ، فضرب له بسهمه وأجره شهد له بالجنة، ومات وهو عنه راضٍ، فهو أحد العشرة وأحد ستة الشورى وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، له ثمانية وثلاثون حديثًا قتل يوم الجمل بالبصرة سنة (٣٦) ست وثلاثين، وله ثلاث وستون سنة (٦٣) يروي عنه (ع) ومالك بن أبي عامر الأصبحي والسائب بن يزيد وقيس بن أبي حازم وأبو عثمان النهدي وبنوه موسى ويحيى وعيسى وعمران وإسحاق وسماه النبي صلى الله عليه وسلم طلحة الخير وطلحة الجود وطلحة الفياض.
روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الحج فقط، وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رواته كلهم مدنيون إلا قتيبة فإنه بغلاني، وأن فيه رواية تابعي عن تابعي ورواية ولد عن والد.
حالة كون طلحة (يقول جاء رجل) لم يسم (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) متعلق بجاء، أي جاء وأقبل إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لم نعرفه وقوله (من أهل نجد) وسكانه صفة أولى لرجل، والنجد ما ارتفع من الأرض وضده الغور وهو ما انخفض منها، وسُمي تهامة وهما بحكم العرف جهتان مخصوصتان، وقوله (ثائر) شعر (الرأس) أي قائمه ومنتفشه ومرتفعه لقلة تعهده، من قولهم ثار الشيء إذا ارتفع، ومنه ثارت الفتنة إذا قامت، وهذه صفة شعر أهل البادية غالبًا بالرفع صفة ثانية لرجل، ويجوز نصبه على الحال من رجل لتخصصه بالجار والمجرور، قال القاضي عياض: يستفاد من الحديث أن ذكر مثل هذا الوصف على غير وجه التنقيص ليس بغيبةٍ.
وجملة قوله (نسمع دوي صوته) أي شديد صوت ذلك الرجل ورفيعه (ولا نفقه ما يقول) لبعده عنا، صفة ثالثة لرجل أو حال ثانية منه، قال القرطبي: رُوي نسمع ونفقه بالنون المفتوحة فيهما مبنيين للفاعل، وبالياء التحتانية المضمومة فيهما مبنيين للمفعول وكلاهما واضح الصحة، قال السنوسي والأول هو الأشهر الأكثر الأعرف. اهـ وإنما لم