فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ"
ــ
وعبارة المنهاج هنا: فإن قيل كيف قال: لا أزيد على هذا، وليس في هذا الحديث جميع الواجبات ولا المنهيات الشرعية ولا السنن المندوبات؟ فالجواب أنه جاء في رواية البخاري في آخر هذا الحديث زيادة توضح المقصود قال:"فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد ولا أنقص مما فرض الله تعالى علي شيئًا" فعلى عموم قوله بشرائع الإسلام وقوله مما فرض الله تعالى علي يزول الإشكال في الفرائض وأما النوافل فقيل يحتمل أن هذا كان قبل شرعها وقيل يحتمل أنه أراد لا أزيد في الفرض بتغيير صفته كأنه يقول لا أصلي الظهر خمسًا وهذا تأويل ضعيف، ويحتمل أنه أراد أن لا يصلي النافلة مع أنه لا يخل بشيء من الفرائض، وهذا مفلح بلا شك وإن كانت مواظبته على ترك السنن مذمومة وترد بها الشهادة إلا أنه ليس بعاصٍ بل هو مفلحٌ ناجٍ والله أعلم انتهى.
قال الأبي: قوله (والله لا أزيد) لا يقال كيف أقسم على أن لا يفعل الخير وقد صح النهي عن ذلك، لأنه إنما أقسم لا يزيد في الفرائض، وعدم ذكره الحج يحتمل أنه رآه غير مستطيع اهـ.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح أن صدق) أي فاز وظفر بالمطلوب ونجح من المكروه إن صدق فيما قال، وفي المنهاج قيل هذا الفلاح راجعٌ إلى قوله: لا أنقص خاصة والأظهر أنه عائد إلى المجموع، بمعنى أنه إذا لم يزد ولم ينقص كان مفلحًا، لأنه أتى بما عليه، ومن أتى بما عليه فهو مفلح وليس في هذا أنه إذا أتى بزائد لا يكون مفلحًا لأن هذا مما يعرف بالضرورة، فإنه إذا أفلح بالواجب فلأن يفلح بالواجب والمندوب أولى.
قال الهروي: العرب تقول لكل من أصاب خيرًا مفلح قال ابن دريد: أفلح وأنجح إذا أدرك مطلوبه وأصل الفلاح الشق والقطع قال الشاعر:
قد علمت خيلك أني الصحصح ... إن الحديد بالحديد يفلح
أي يشق فكأن المفلح قد قطع المصاعب حتى نال مطلوبه، وقد استعمل الفلاح في البقاء كما قال:
لو كان حيٌّ مُدْرِكَ الفَلاحِ ... أدركها ملاعب الرماح