(ذلك) أي قعود الرجل الأجنبي عندها (عليه) صلى الله عليه وسلم (و) غضب حتى (رأيت الغضب) أي أثره من تغير اللون (في وجهه) صلى الله عليه وسلم (قالت) عائشة: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله إنه) أي إن هذا الرجل القاعد عندي (أخي من الرضاعة قالت) عائشة: (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انظرن) أي فكرن وتأملن أيها الأزواج (إخوتكن) أي سبب ما حصلت به الأخوة بينكن وبينهم (من الرضاعة) هل هو رضاع صحيح بشرطه من وقوعه في مدة الرضاعة أم لا؟ وقال المهلب: انظرن ما سبب هذه الأخوة هل هو صحيح أم لا؟ (فإنما الرضاعة) المؤثرة في التحريم هي التي وقعت في زمن الصغر حتى تسد (من) الرضيع وتدفع عنه (المجاعة) والصواب عن المجاعة كما في بعض النسخ ليصح كلامه في المتابعة، والفاء في قوله فإنما لتعليل الأمر بالنظر والتأمل، والمجاعة مفعلة من الجوع يعني أن الرضاعة التي تثبت بها الحرمة وتحل بها الخلوة هي التي وقعت حيث كان الرضيع طفلًا يسد اللبن جوعته ولا يحتاج إلى طعام آخر والكبير لا يسد جوعته إلا الخبز فليس كل مرتضع لبن امرأة أخًا لولدها بل شرطه أن يكون من المجاعة بأن يكون الرضيع طفلًا يسد اللبن جوعته لأن معدته ضعيفة يكفيها اللبن وينبت لحمه بذلك فيصير كجزء من المرضعة فيكون كسائر أولادها. هذا ملخص كلام العيني في الشهادات وفي الرضاع.
واستدل بهذا الحديث الجمهور على أن الرضاع المعتبر في حرمة النكاح لا بد أن يكون في الصغر، والمعنى أن الرضاعة المحرمة ما كان سببها الجوع، ومعلوم أن الكبير لا يرتضع لبن المرأة بسبب الجوع لأنه ليس مما يسد جوع الكبير ولا مما يشتهي إليه الرجل لسده، ولئن شربه في حالة الاضطرار شربه بالأنفة والكراهية بخلاف الطفل فإنه يرتضع لبن المرأة بسبب الجوع، ويشتهي إليه كلما جاع ولا يسد جوعته غيره، ولئن كان كل رضاع محرمًا سواء كان في الصغر أو الكبر فلماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله تعالى عنها بالنظر والتأمل في أمر الرضاع وإن أمره هذا يدل على أن من الرضاع ما هو غير محرم وهو ما ليس سببه المجاعة.
وفي غضبه صلى الله عليه وسلم تأديب لعائشة وقد كان صلى الله عليه وسلم أخذ