تعالى لما خلق آدم خُلقت حواء من ضلعه القصير فصار بول الغلام من الماء والطين وبول الجارية من اللحم والدم أخرجه ابن ماجه في باب بول الصبي الذي لم يطعم، ولكنه ليس قولًا للفقهاء فقط، وإنما هو مروي من عدة آثار فقد أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس أن حواء خُلقت من ضلع آدم الأقصر الأيسر وهو نائم، وكذا أخرجه ابن أبي حازم وغيره من حديث مجاهد ذكرهما الحافظ في الفتح، ويؤيده قوله تعالى:{الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}.
قوله:(وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) قيل فيه إشارة إلى أن أعوج ما في المرأة لسانها.
قوله:(استوصوا بالنساء خيرًا) فيه إشارة إلى أن تشبيه المرأة بالضلع لا ينافي إيصاءهن بالخير وأمرهن بالمعروف فالمراد أن المرأة إنما تقوم برفق بحيث لا يبالغ فيه فتكسر ولا يتركه فتستمر على عوج، وإلى هذا المعنى أشار البخاري حيث أتبع هذا الحديث بباب {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} فيؤخذ منه أنه لا يتركها على العوج إذا تعدت بما طُبعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية أو ترك الواجب، وإنما المراد أن يتركها على اعوجاجها في الأمور المباحة وفيما لا يضر عوجها فيه ضررًا بينًا وإلا لما أمر الله تعالى بقوله:{فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} ولَمَا أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله تعالى عنها في تعليق القرام. فالحاصل أن حديث الباب لا ينهى عن تقويم المرأة وتأديبها مطلقًا، وإنما ينهى عن المبالغة والتشدد في ذلك ويندب إلى المداراة لاستمالة النفوس وتأليف القلوب إلى سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على ما جُبلت عليه من العوج وإلى ترك المسارعة في أمر الطلاق والله أعلم.
(فائدة مستطردة): قال الغزالي في الإحياء: وكانت نساء العرب يُعلمن بناتهن اختبار الأزواج، كانت المرأة تقول لابنتها: اختبري زوجك قبل الإقدام والجرأة عليه، انزعي زج رمحه فإن سكت على ذلك فقطعي اللحم على ترسه، فإن سكت على ذلك فكسري العظام بسيفه فإن صبر فاجعلي الإكاف على ظهره وامتطيه فإنما هو حمارك اهـ إتحاف السادة المتقين للزبيدي اهـ تكملة.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: