لولا بنو إسرائيل) أي لولا ادخار بني إسرائيل الطعام واللحم في زمن موسى - عليه السلام - أي لولا ادخارهم موجود (لم يخبث الطعام) بضم الموحدة من باب فعل المضموم أي لم يفسد الطعام ولم تتغير رائحته بطول الزمان (ولم يخنَزِ) بفتح النون وكسرها، من باب ضرب وفتح ومصدره الختز والخنوز أي لم ينتن (اللحم) ولم يتغير، أي لولا ادخارهم اللحم الذي نهوا عن ادخاره موجود لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم إذا ادخرا، قال العلماء: معناه أن بني إسرائيل أنزل الله عليهم المن والسلوى ونُهوا عن ادخارهما، فادخروا ففسد وأنتن عقوبة لهم على ادخارهم واستمر ذلك من ذلك الوقت، قال الفيومي: إن أهل الحجاز إذا أطلقوا الطعام عنوا به البُر خاصة، وفي العرف الطعام اسم لما يؤكل مثل الشراب اسم لما يُشرب اهـ.
قال القاضي عياض: لما أنزل الله سبحانه المن والسلوى على بني إسرائيل فكان يسقط عليهم في مجالسهم كالثلج من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فيؤخذ منه كل يوم ما يُغني ذلك اليوم إلا يوم الجمعة فإنهم يأخذون له وللسبت إلى أن قصدوا إلى أكثر من ذلك وادخروه ففسد فكان ادخارهم فسادًا عليهم وعلى غيرهم أبدًا.
(فائدة مستطردة): أخرج الإمام أبو نعيم الأصبهاني عن وهب بن منبه قرأت في بعض الكتب: لولا أني كتبت النتن على الميت لحبسه الناس في بيوتهم، ولولا أني كتبت الفساد على الطعام لخزنته الأغنياء عن الفقراء، ولولا أني أذهبت الهم والغم لم تعمر الدنيا ولم أعبد" راجع له ترجمة وهب بن منبه من حلية الأولياء [٤/ ٣٧ و ٣٨].
(ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر) مر الكلام فيه قريبًا.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.