للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَقَدِ امْتَلأَتْ صُدُورُنَا مِنْهُ. فَأَتَى صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَدُقُّ الْبَابَ. وَقَال: افتَحِ. افْتَحْ. فَقُلْتُ: جَاءَ الْغَسَّانِيُّ؟ فَقَال: أَشَدُّ مِنْ ذلِكَ. اعْتَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجَهُ. فَقُلْتُ: رَغِمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ

ــ

علينا في المدينة (فقد امتلأت صدورنا) خوفًا أو غيظًا (منه) أي من ذلك الملك (فأتى) أي فجاء (صاحبي الأنصاري) إلى منزلي يوم نوبته، حالة كونه (يدق) ويقرع (الباب) أي باب منزلي دقًا بليغًا لأخرج إليه بسرعة (وقال) لي (افتح) الباب يا عمر (افتح) بالتكرار مرتين للتأكيد (فقلت) له: هل (جاء الغساني) وقد سماه في رواية ابن سعد: الحارث بن أبي شمر (فقال) الأنصاري وقع أمر (أشد من ذلك) لأنه (اعتزل) وانفرد وابتعد وفارق (رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه) وطلقهن فلا يدخل عليهن، قال عمر: (فقلت رغم) ولصق (أنف حفصة وعائشة) بالتراب خصهما بالذكر لكونهما متظاهرتين على سائر أزواجه صلى الله عليه وسلم. وقوله: (أشد من ذلك) فيه ما كان عليه الصحابة من الاهتمام بما يهتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه جعل اعتزال نسائه أشد من طروق ملك الشام الغساني بجيوشه إلى المدينة وذلك لأنه كان يتحقق أن عدوهم ولو طرقهم مغلوب ومهزوم واحتمال خلاف ذلك ضعيف بخلاف الذي توهمه من تطليق رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه فإن وقوع الغم بذلك متيقن.

وقوله: (اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه) وفي رواية سفيان الآتية طلّق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه ولعل الراوي في روايتنا هذه رواها بالمعنى لأن أكثر الروايات على الطلاق، وأخرج ابن مردويه من طريق سلمة بن كهيل عن ابن عباس أن عمر قال: لقيني عبد الله بن عمر ببعض طرق المدينة فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، وهذا إن كان محفوظًا محمول على أن ابن عمر لاقى أباه وهو يجيء من منزله من العوالي فأخبره بمثل ما أخبره به الأنصاري، ولعل الجزم بالطلاق وقع من إشاعة بعض أهل النفاق فتناقله الناس، وأصله ما وقع من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه ولم تجر عادته بذلك فظنوا أنه طلّقهن قاله في الفتح.

وقوله: (رغم أنف حفصة وعائشة) هو بفتح الغين وكسرها أي لصق بالرغام وهو التراب هذا هو الأصل ثم استعمل في كل من عجز من الانتصاف ووقع في الذل والانقياد كرهًا أفاده النووي.

<<  <  ج: ص:  >  >>