(عن أبي سلمة أنه قال: سألت فاطمة بنت قيس) رضي الله عنها عن قصة طلاقها (فأخبرتني) فاطمة (أن زوجها) أبا عمرو بن حفص (المخزومي) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمران بن أبي أنس لأبي حازم (طلّقها فأبى أن ينفق عليها فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نفقة لك) ولا سكنى (فانتقلي) من مسكن زوجك (فاذهبي إلى) بيت (ابن أم مكتوم فكوني عنده فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده) ولا يراك، وفي الرواية الأخرى (فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك) هذه الرواية مفسرة للأولى ومعناه لا تخافين من رؤية رجل لك، قال القرطبي: وإنما أذن النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة أن تخرج من البيت الذي طُلّقت فيه لما ذكره مسلم في الرواية الأخرى من أنها خافت على نفسها من عورة منزلها أن يُقتحم عليها، وفيه دليل على أن المعدة تنتقل لأجل الضرورة وهذا أولى من قول من قال إنها كانت لَسِنَةً تؤذي زوجها وأحماءها بلسانها فإن هذه الصفة لا تليق بمن اختارها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبه ابن حبه، وتواردت رغبات الصحابة عليها حين انقضت عدتها، ولو كانت على مثل تلك الحال لكان ينبغي أن لا يُرغب فيها ولا يحرص عليها أيضًا فلم يثبت بذلك نقل مسند صحيح وإنما الذي تمسك به في ذلك قول عائشة ما لفاطمة خير أن تذكر هذا، وقول عمر: لا ندع كتاب الله لقول امرأة لا نعلم حفظت أو نسيت، وقول بعضهم: امرأة فتنت الناس وليس في شيء من ذلك دليل على ذلك.
ويا للعجب كيف يجترئ ذو دين أن يقدم على غيبة مثل هذه الصحابية التي اختارها النبي صلى الله عليه وسلم لحبه ابن حبه لسبب خبر لم يثبت، وأعجب من ذلك قول بعض المفسرين في قوله تعالى:{وَلَا يَخْرُجْنَ إلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} إنها نزلت في فاطمة لأنها كانت فيها بذاذة لسان وأذى للأحماء وهذا لم يثبت فيه نقل ولا يدل عليه نظر فذكر ذلك عنها ونسبته إليها غيبة أو بهتان، وأحسن ما قيل في التفسير قول ابن عمر