سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، عَلَى هذَا الْمِنْبَرِ:"لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ، إلا عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا"
ــ
لكن أني (سمعت رسول الله على الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) أن (تحد) على تقدير أن المصدرية لأنه فاعل الحل أي لا يحل ولا يجوز لها إحدادها، والإحداد كما مر ترك الزينة والطيب، ولفظ البخاري (أن تحد) وهو واضح ومثله قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} واكتفى في الحديث بذكر طرفي المؤمن به عن بقيته اختصارًا وفيهما الكفاية في مقام الإخافة (على ميت) أيًا كان (فوق ثلاث) من الليالي ولو نصف ليلة وإنما قدرنا الليالي لأنه ذكر اسم العدد وأكثر روايات البخاري (فوق ثلاث ليال) قال النووي: وفيه دلالة على جواز الإحداد على غير الزوج ثلاثة أيام فما دونها، ولو أرادت أن تحد على قرابة ثلاثة أيام فما دون ولها زوج فله أن يمنعها لأن الزينة حقه وهذا الإحداد مباح لها لا واجب عليها، وقال القرطبي: ويستفاد منه أن المرأة إذا مات حميمها فلها أن تمتنع من الزينة ثلاث ليال متتابعة تبدأ بالعدد من الليلة التي تستقبلها إلى آخر ثالثها فإن مات قريبها في بقية يوم أو ليلة ألغتها وحسبت من الليلة القابلة المستأنفة اهـ من المفهم.
وقوله:(إلا على زوج) فتحد عليه (أربعة أشهر وعشرًا) من الليالي منصوب على الظرف والعامل فيه تحد مقدرًا وعشرًا معطوف عليه أي تحد عليه إلى انقضاء عدة الوفاة قاله القرطبي، وذكر ابن الملك عن الطيبي أن قوله أربعة أشهر وعشرًا إن جعل بيانًا لقوله فوق ثلاث يكون الاستثناء متصلًا فيكون المعنى لا يحل لامرأة أن تحد أربعة أشهر وعشرًا على كل ميت إلا على زوجها وإن جعل معمولًا لتحد مقدر يكون منقطعًا فالمعنى لكن تحد على زوجها أربعة أشهر وعشرًا اهـ.
قال القرطبي: وهذا الحديث بحكم عمومه يتناول الزوجات كلهن المتوفى عنهن فيدخل فيه الحرائر والإماء والكبار والصغار وهو مذهب الجمهور، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا إحداد على أمة ولا صغيرة والحديث حجة عليه ولا خلاف أعلمه أنهما لا بد لهما من العدة فبالطريق التي تلزمهما به العدة يلزمهما الإحداد.
وقوله:(إلا على زوج) إيجاب بعد نفي فيقتضي حصر الإحداد على المتوفى عنها