ثم كَتَبَ:"أنهُ لا يَحِلُّ لِمسلمٍ أَن يَتَوَالى مَولى رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيرِ إِذْنِهِ"
ــ
غيرهم أي أوجب عليهم تحملها عن الجاني والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الدية في الخطإ شبه العمد على عاقلة الجاني وعصباته غير الأصول والفروع أي ضم البطون بعضها إلى بعض فيما بينهم من الحقوق والغرامات لأنه كانت بينهم دماء وديات بحسب الحروب السابقة قبل الإسلام فرفع الله سبحانه ذلك عنهم وألف بين قلوبهم ببركة الإسلام وببركته صلى الله عليه وسلم كذا في شرح الأبي مع زيادة (ثم كتب) صلى الله عليه وسلم إلى كل بطن وقبيلة من قبائل العرب (أنه) أي أن الشأن والحال (لا يحل لمسلم أن يتوالى) أي أن ينسب إلى نفسه (مولى رجل مسلم) أي عتيق رجل آخر (بغير إذنه) أي بغير إذن معتقه يعني لا يحل لرجل مسلم أن يحدث ولاء مع أن من أعتقه غيره لأن الولاء لحمة كلحمة النسب ولا يثبت شرعًا إلا للمعتق ولا يجوز لعبد معتق أن يقول أنا مولى فلان إذا كان فلان لم يعتقه فكما أن الرجل لا يحل له أن ينتمي إلى غير أبيه فكذلك لا يحل له أن يتوالى غير مولاه، وقوله:(بغير إذنه) ظاهر مفهومه منه أنه يجوز للعبد المعتق أن ينتمي إلى غير مولاه ويحدث معه الولاء إذا أذن له السيد بذلك ولكنه غير مراد في مذهب جمهور العلماء لأنهم اتفقوا على أن مثل هذا التوالي لا يجوز وإن أذن السيد بذلك لأنه إن أذن في ذلك بعوض فهو بيع للولاء وإن أذن بغير عوض فهو هبة له وكلاهما لا يجوز كما مر في الحديث السابق وأما قوله صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه فقد خرج مخرج الغالب لأنهم كانوا يفعلون ذلك بغير إذن غالبًا فمفهومه غير مراد عند الجمهور.
قال القرطبي:(قوله: كتب على كل بطن عقوله) أي أوجب عليهم تحمل الدية التي وجبت على من جنى منهم في الخطإ وشبه العمد وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة واستقر أمره فيها آخى بين المهاجرين والأنصار وصالح من كان فيها من اليهود وميز القبائل بعضها عن بعض وضم البطون بعضها إلى بعض فيما ينوبهم من الحقوق والغرامات وكان بينهم دماء وديات بسبب الحروب العظيمة التي كانت بينهم قبل الإسلام فرفع الله تعالى كل ذلك عنهم وألف بين قلوبهم ببركة الإسلام وبركة النبي صلى الله عليه وسلم حتى صاروا كما قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}[آل عمران / ١٠٣] وقوله: (أن يتوالى مولى رجل مسلم) هذا يقتضي تحريم أن ينسب أحد مولى رجل لنفسه وحديث أبي هريرة يقتضي تحريم