بأبدانهما، وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند البيهقي والدارقطني (ما لم يتفرقا عن مكانهما) وهذا صريح في أن المراد بالتفرق التفرق بالأبدان وسماهما بالبيعين وهما المتعاقدان لأن البيع من الأسماء المشتقة من أفعال الفاعلين وهي لا تقع في الحقيقة إلا بعد حصول الفعل وليس بعد العقد تفرق إلا بالأبدان فثبت خيار المجلس، وأما الحنفية والمالكية فلا يقولون بخيار المجلس وإنما يتم عندهم البيع بالإيجاب والقبول ولا خيار لأحدهما بعد ذلك إلا بالشرط أو العيب وهذا القول مروي عن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأبي يوسف ومالك بن أنس وسفيان الثوري وإبراهيم النخعي وربيعة الرأي والمراد بالتفرق عندهم التفرق بالأقوال وهو الفراغ من العقد فإذا تعاقدا صح البيع ولا خيار لهما إلا أن يشترطا وتسميتهما بالمتبايعين يصح أن يكون بمعنى المتساومين من باب تسمية الشيء بما يؤول إليه أو يقرب منه، ومعنى الحديث إذا أوجب المتعاقدان بالبيع فالآخر بالخيار فإن شاء قبل وإن لم يشأ لم يقبل وللموجب خيار الرجوع عما قال قبل قول صاحبه قبلت وهذا الخيار ثابت (ما لم يتفرقا) أي قولًا فإن تفرقا قولًا بأن قال أحدهما: بعت وقال الآخر: اشتريت لم يبق الخيار اهـ مرقاة، فالتفرق في الحديث مفسر بالتفرق القولي لا البدني فهم لا يقولون بثبوت خيار المجلس واستدلوا على ذلك بنصوص متضاربة مذكورة في الفروع، وتعقب هذا القول ابن حزم بأن خيار المجلس ثابت بهذا الحديث سواء قلنا التفرق بالكلام أو بالأبدان أما حيث قلنا بالأبدان فواضح وحيث قلنا بالكلام فواضح أيضًا لأن قول أحد المتبايعين مثلًا بعتكه بعشرة وقول المشتري بل بعشرين مثلًا افتراق في الكلام بلا شك بخلاف ما لو قال: اشتريته بعشرة فإنهما حينئذٍ متوافقان فيتعين ثبوت الخيار لهما حين يتفقان لا حين يتفرقان وهو المدعى، وأما قولهم: المراد بالمتبايعين المتساومان فمردود لأنه مجاز والحمل على الحقيقة أو ما يقرب منها أولى، قال البيضاوي: ومن نفى خيار المجلس ارتكب مجازين بحمله التفرق على الأقوال وحمله المتبايعين على المتساومين اهـ من الإرشاد والمذهب الأول أقوى دليلًا.
وقوله:(إلا بيع الخيار) استثناء من أصل الحكم والمعنى البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا في بيع إسقاط الخيار أي إلا في بيع أسقط فيه خيار المجلس فإن العقد يلزم وإن لم يتفرقا بعد فالكلام على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وقد ذكر