للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ. وَمَا أَكَلَتِ الطَّيرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةً. وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ"

ــ

أي مما غرسه كالقرد والكركدن والنسناس (فهو له صدقة) أي يحصل له ثواب تصدق ذلك المأكول (وما أكلت الطير) منه كالعصفور والزاغ وغراب الزرع والحمامة (فهو له صدقة ولا يرزؤه) أي لا ينقص ذلك المغروس (أحد) من المخلوق إنسانًا كان أو سبعًا أو طيرًا بالأكل منه أو بالأخذ أو بالإتلاف (إلا كان له صدقة) فيثاب ثواب التصدق به، قال النووي: وفي هذه الأحاديث أن الثواب والأجر في الآخرة مختص بالمسلمين وأن الإنسان يثاب على ما سُرق من ماله أو أتلفته دابة أو طائر أو نحوهما اهـ.

وقوله: (ولا يرزؤه) أصل الرزء النقص، ويقال رزئ الرجل ماله إذا انتقص ماله ويقال: ما رزأته زبالًا أي ما نقصته والزبال بكسر أوله ما تحمله النملة في فيها اهـ مفهم. ولعل المراد هاهنا نقصان الثمر بآفة أو نحوها لأن السرقة قد ذكرت قبل أو هو تعميم بعد تخصيص، وفي الحديث دليل على أن الرجل كلما أصيب في ماله كان ماجورًا عليه. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولكن أخرجه الدارمي في مسنده في البيوع، وأحمد في مسنده في مسند جابر.

قال القرطبي: إنما خص المسلم بالذكر لأنه ينوي عند الغرس غالبًا أن يتقوى بثمر ذلك الغرس المسلمون على عبادة الله تعالى ولأن المسلم هو الذي يحصل له ثواب وأما الكافر فلا يحصل له بما يفعله من الخيرات ثواب وغايته أن يُخفف العذاب عنه وقد يُطعم في الدنيا ويُعطى بذلك كما تقدم في كتاب الإيمان ويعني بـ (الصدقة) هنا ثواب صدقة مضاعفًا كما قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة: ٢٦١] وفي الحديث دليل على أن الغراس واتخاذ الضياع مباح وغير قادح في الزهد وقد فعله كثير من الصحابة، وقد ذهب قوم من المتزهدة إلى أن ذلك مكروه وقادح ولعلهم تمسكوا في ذلك بما قد أخرجه الترمذي من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تتخذوا الضيعة فتركنوا إلى الدنيا" في رقم (٢٣٢٨) من حديث ابن مسعود وقال فيه: حديث حسن. والجواب عنه أن هذا النهي محمول على الاستكثار من الضياع والانصراف إليها بالقلب الذي يُفضي بصاحبه إلى الركون إلى الدنيا فأما إذا اتخذها غير مستكثر منها ومقللًا فيها وكانت له كفافًا وعفافًا فهي مباحة غير قادحة في الزهد وسبيلها كسبيل المال الذي استثناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>