وقوله:(خذوا ما وجدتم) منه أخذ الفقهاء حكم التفليس وأن الغرماء يجوز لهم أخذ ما وجدوه عند مديونهم المفلس ولكن بواسطة القاضي ولا يترك إلا ما يحتاج إليه من الثياب وغيرها، قال الشامي: ويترك عليه دست من ثيابه يعني بذلة وقيل: دستان لأنه إذا غسل ثيابه لا بد له من ملبس وقالوا: إذا كان يكتفي بدونها تُباع ويقضى الدين ببعض ثمنها ويشتري بما بقي ثوبًا يلبسه وكذا يفعل في المسكن وعن هذا قالوا يبيع ما لا يحتاج إليه في الحال كاللبد في الصيف والنطع في الشتاء وينفق عليه وعلى زوجته وأطفاله وأرحامه اهـ رد المحتار في كتاب الحجر [٥/ ١٠٥].
وقوله:(وليس لك إلا ذلك) قال الخطابي في معالم السنن [٥/ ١٢٠] وليس في الحديث أنه أمر أرباب الأموال أن يضعوا عنه شيئًا من أثمان الثمار ثلثًا أو أقل منه أو أكثر إنما أمر الناس أن يعينوه ليقضي حقوقهم فلما أبدع بهم أمرهم بالكف عنه إلى الميسرة وهذا حكم كل مفلس أحاط به الدين وليس له مال، وقال أبو حنيفة: يجوز للغرماء ملازمته وأخذ فضل كسبه مهما وجدوا وعند الصاحبين لا يجوز ملازمة بعد التفليس.
قال القرطبي: وقوله صلى الله عليه وسلم: (تصدقوا عليه) لا يدل على وجوب التصدق على المفلس في قضاء دينه ومن فعل ذلك أو حض عليه كان خيرًا له وفيه ثواب كثير لأنه سعى في تخليص ذمة المسلم من المطالبة المستقبلة أو من الإثم اللاحق بتأخير الأداء عند الإمكان إن كان قد وقع ذلك وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بمعاذ ليبين لخصومه أنه ليس عنده شيء ولتطيب قلوبهم بما أخذوا فيسهل عليهم ترك ما بقي وليخف الدين عن معاذ وليتشارك المتصدقون في أجر المعونة وثوابها وليكون ذلك سنة حسنة.
وقوله:(خذوا ما وجدتم) يدل على أن المفلس يؤخذ منه كل ما يوجد له ويستثنى من ذلك ما كان ضرورته، وروى ابن نافع عن مالك أنه لا يُترك له إلا ما يواريه، والمشهور أنه يُترك له كسوته المعتادة ما لم يكن فيها فضل ولا يُنزع منه رداؤه إن كان مزريًا أو منقصًا وفي ترك كسوة زوجته وبيع كتبه إن كان عالمًا خلاف ولا يُترك له مسكن ولا خاتم ولا ثوب جمعته ما لم تقل قيمتها اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية الحديث أحمد [٣/ ٣٦]، وأبو داود [٣٤٦٩]، والترمذي