الآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ. وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ! لَا أَفْعَلُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيهِمَا. فَقَال:"أَينَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللَّهِ لَا يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ؟ " قَال: أَنَا, يَا رَسُولَ اللهِ! فَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ
ــ
خبره يستوضع (الآخر) أي يطلب منه أن يضع ويسقط من دينه شيئًا (ويسترفقه في شيء) أي يطلب منه أن يرفق به ويسهل عليه في التقاضي وأخذ الدين منه، والمعنى سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم وفاجأه استيضاع أحدهما الآخر واسترفاقه منه في التقاضي (وهو) أي والحال أن الآخر (يقول) لأحدهما: (والله) أي أقسمت بالله (لا أفعل) ما طلبته مني من وضع بعض الدين وإسقاطه ومن الرفق في التقاضي (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من حجرته (عليهما) وهما يتخاصمان (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أين المتألي على الله) أي الحالف المبالغ في اليمين باسم الله على أنه (لا يفعل المعروف) والخير يعني أين الذي يحلف بالله على أنه لا يصنع خيرًا من إسقاط بعض الدين والرفق في تقاضي الباقي، والمتألي الحالف أشد الحلف يقال: تألى يتألى وائتلى يأتلي وآلى يؤلي كل ذلك بمعنى الحلف مأخوذ من الألية بفتح الهمزة وكسر اللام وتشديد الياء وهي اليمين، وفيه ما يدل على أن سؤال الحطيطة والرفق جائز إذ لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إذ سمعه، وقد كره مالك ذلك لما فيه من المهانة والمنة (قلت): وهذه الكراهة من مالك إنما هي من طريقة تسمية ترك الأولى مكروهًا اهـ من المفهم (قال) ذلك الآخر (أنا) المتألي (يا رسول الله) صلى الله عليه وسلم (فله) أي فلخصمي وهو خبر مقدم لأي أي فـ (أي ذلك) المذكور من الأمرين الوضع والرفق (أحب) ورضي كائن له فأي اسم موصول في محل الرفع مبتدأ وجملة أحب صلته أي وخبره الجار والمجرور مقدم عليه أي فالذي أحب من ذينك الأمرين كائن له يا رسول الله ولعل مراده أنه صار مستعدًا لا لوضع النقصان فقط بل وللحط من قيمة رأس المال الباقي أيضًا وفي بعض الهوامش وإعراب أي كإعرابه في قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} والضبط في مطبوع البخاري على النسخة اليونينية بالرفع وضبط القسطلاني بالنصب وهي قراءة في الآية اهـ.
قال القرطبي: قوله: (فله أي ذلك أحب) أي الوضع والرفق وكان حقه أن يقال فله أي ذينك أحب فإن المشار إليه اثنان لكنه أشار إلى الكلام المتقدم المذكور فكأنه قال