بالشعير الزائد لأنهما ربويان (انطلق) أي اذهب يا غلام إلى من بعت له القمح (فرده) أي فرد هذا الشعير عليه (ولا تأخذن) منه الشعير (إلا مثلًا بمثل) أي إلا صاعًا مقابلًا بمثل من صاع قمح وإنما أمرتك برد الشعير الزائد (فإني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ) يباع (الطعام بالطعام) حالة كونه (مثلًا) مقابلًا (بمثل) يعني بيع أحدهما بالآخر يكون مثلًا بمثل وأراد بالطعامين ما يكون من جنس واحد بقرينة حديث آخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم" اهـ مبارق (قال) بسر بن سعيد (وكان طعامنا يومئذٍ) أي يوم إذ أرسل معمر غلامه (الشعير، قيل له) أي لمعمر (فإنه) أي فإن الشعير (ليس بمثله) أي بمثل القمح يعني ليس الشعير من جنس القمح، والمراد أن القمح والشعير جنسان فلا يحرم فيهما التفاضل لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم" فلماذا تريد فسخ هذا البيع (قال) معمر: (إني أخاف أن يُضارع) هذا الشعير أي يشابه ويشارك هذا الشعير القمح فيكون في معنى المماثل فيكون له حكمه في تحريم الربا يعني أخاف أن يشابه هذا البيع المنهي عنه من الربا لكون الحنطة والشعير متقاربين ولإطلاق لفظ الطعام على كل واحد منهما وهذا تورع واحتياط منه رضي الله عنه وإلا فالحديث في جواز مثله واضح.
وحمله مالك رحمه الله تعالى على الفتوى فقال: لا يجوز التفاضل في بيع الحنطة بالشعير لتقارب منفعتهما وإن الحنطة والشعير والسلت جنس واحد عنده وكذا الخل والنبيذ جنس واحد عنده لتقارب المنافع، وخالفه الجمهور ولا حجة لمالك في حديث الباب لأن قوله إني أخاف أن يضارع صريح في كون عمله مبنيًّا على الورع والتقوى، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه، قال القرطبي: إن حديث معمر هذا لا حجة فيه لأصحابنا وإن كانوا قد أطبقوا على الاحتجاج به ووجه ذلك أن غايتهم في التمسك به أن يحتجوا بمذهب معمر وهو صحابي وهو أعلم بالمقال وأقعد بالحال (قلت): إن قول معمر هذا رأي منه لا رواية وما استدل به من قوله صلى الله عليه وسلم: "الطعام بالطعام" لا حجة له فيه لأنه إن حمل على عمومه لزم منه أن لا يباع التمر بالبر ولا الشعير بالملح إلا مثلًا بمثل وذلك خلاف الإجماع فظهر أن المراد به الجنس الواحد