للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَقِيلَ لِسَعِيدٍ: فَإِنَّكَ تَحْتَكِرُ؟ قَال سَعِيدٌ: إِن مَعْمَرًا الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُ هذَا الْحَدِيثَ كَانَ يَحْتَكِرُ

ــ

والبُن والشاي فليس فيها احتكار محرم، والثالث: أن يضيّق على الناس بشرائه ولا يحصل ذلك إلا بأمرين: أحدهما: أن يكون في بلد يضيّق بأهله الاحتكار كالحرمين والثغور، وأما البلاد الواسعة الكثيرة المرافق والجلب كبغداد والبصرة ومصر فلا يحرم فيها الاحتكار لأن ذلك لا يؤثر فيها غالبًا، الثاني: أن يكون في حال الضيق بأن يدخل البلد قافلة فيتبادر ذوو الأموال فيشترونها منهم ويضيّقون على الناس فأما إن اشتراه في حال الاتساع والرُّخص على وجه لا يضيّق على أحد فليس بمحرم، وأما أبو يوسف فلا يخص حرمة الاحتكار بالأقوات فيقول كل ما أضر بالعامة حبسه فهو احتكار ممنوع فلعله رأى أن المادة ربما تُستعمل في غير الطعام أيضًا فيقال: الحكر للماء المستنقع في وقبة من الأرض لأنه يحكر أي يُجمع ويحبس كما ذكره الزمخشري في الفائق، وأما الجمهور فقصروا حرمة الاحتكار على الطعام نظرًا إلى معنى كلمة الاحتكار في اللغة فإنها موضوعة في أصل اللغة لاحتباس الطعام خاصة.

والظاهر أن حرمة احتكار الطعام ثابتة بالحديث من غير شك فكان أمرًا تشريعيًا معمولًا به إلى الأبد لأن حاجة الناس إلى الطعام أكثر منها إلى غيره وأما احتكار الأشياء الأخرى فيفوّض إلى رأي الإمام فإن رأى في احتكارها ضررًا شديدًا نظير الضرر في الطعام منعه وإلا أجازه والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة.

(فقيل لسعيد) بن المسيب، القائل هو يحيى بن سعيد كما في رواية القرطبي (فقلت لسعيد: فإنك تحتكر) (فإنك تحتكر) غير الطعام فـ (قال سعيد) بن المسيب (أن معمرًا) ابن عبد الله (الذي كان يحدّث) لنا (هذا الحديث) عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتكر) قالوا: إنه كان يحتكر الزيت، ويحمل الحديث على احتكار القوت عند الغلاء وكفى ذلك دليلًا لأن الصحابي أعرف بمراد النبي صلى الله عليه وسلم اهـ من المبارق.

قوله: (فإنك تحتكر) هذا يدل على أن معمرًا رضي الله عنه وتلميذه سعيد بن المسيب كانا يحتكران في غير الأقوات وهو من أقوى الأدلة على أن الحرمة مختصة بالأقوات لأن راوي الحديث من الصحابة أعرف بمعنى الحديث.

ثم استدلال ابن المسيب على جواز الاحتكار في غير الأقوات بعمل معمر

<<  <  ج: ص:  >  >>