للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال القرطبي: هذا وعيد شديد يفيد أن أخذ شيء من الأرض بغير حقه من أكبر الكبائر على أي وجه كان من غصب أو سرقة أو خديعة قليلًا أو كثيرًا، ألا تسمع قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن كان قيد شبر" وفيه دليل على أن الملكية الشخصية ثابتة في الأرض كما أنها ثابتة في غيرها وعلى أنها محترمة عند الشرع، وعلى أن الأرض يمكن غصبها خلافا لمن أنكر ذلك اهـ مفهم.

قوله: (من اقتطع) أي أخذ كما هو الرواية التالية والمراد الأخذ بغير حق لأن اقتطاع الأرض في اللغة غصبها، قوله: (شبرًا) أي قدره من الأرض كما يأتي في آخر الباب من حديث الصدّيقة "من ظلم قيد شبر من الأرض" أي قدره، والشبر بكسر الشين وسكون الباء كما في المصباح ما بين طرفي الخنصر والإبهام بالتفريج المعتاد، والفتر بكسر الفاء أيضًا ما بين طرفي السبابة والإبهام، (ظلمًا) مفعول له أو حال أو مفعول مطلق أي أخذ ظلم اهـ مرقاة، (طوّقه الله إياه من سبع أرضين) أي يُخسف به الأرض فتصير البقعة المغصوبة منها في عنقه كالطوق والقلادة، وقيل هو أن يطوّق حملها أي يكلف فهو من طوق التكليف لا من طوق التقليد اهـ نهاية.

واختلف شراح الحديث في معناه على أقوال: الأول: أن غاصب الأرض يُكلف نقل مقدار ما غصب من سبع أرضين إلى المحشر فلا يُطيق ذلك ويكون كالطوق في عنقه لا أنه طوق حقيقة، والثاني أنه يكلف بنقله إلى المحشر ثم يُجعل كله في عنقه طوقًا ويُعظم قدر عنقه حتى يسع ذلك كما ورد في غلظ جلد الكافر، والثالث: معناه أنه يُعاقب بالخسف إلى سبع أرضين فتكون كل أرض في تلك الحالة طوقًا في عنقه، والرابع: معناه أن الله عزَّ وجلَّ يُكلّف الغاصب أن يجعله له طوقًا ولا يستطيع ذلك فيُعذب بذلك كما جاء في حق من كذب في منامه أنه يُكلف بعقد شعيرة، والخامس: أن المراد بالتطويق تطويق الإثم والمراد به أن الظلم المذكور لازم له في عنقه لزوم الإثم ومنه قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} وقال الحافظ في الفتح: [٥/ ١٧٥] بعد سرد هذه الأقوال وبالوجه الأول جزم أبو الفتح القشيري وصححه البغوي، ويحتمل أن تتنوع هذه الصفات لصاحب هذه الجناية فيُعذب بعضهم بهذا وبعضهم بهذا بحسب قوة المفسدة وضعفها اهـ من التكملة باختصار.

قوله: (من سبع أرضين) بفتح الراء ويجوز إسكانها، وفيه ما يدل على أن الأرضين

<<  <  ج: ص:  >  >>