(فأضاعه) أي فأضاع ذلك الفرس أي فرط وقصّر فيه فلم يُحسن القيام بعلفه ومؤنته (صاحبه) أي صاحب الفرس الذي تصدق عليه عمر، قيل أي لم يعرف مقداره فأراد بيعه بدون قيمته، وقيل: معناه أنه استعمله في غير ما جعل له، والأول أظهر لما سيأتي عند المصنف من طريق روح بن القاسم عن زيد بن أسلم (فوجده قد أضاعه وكان قليل المال) فأشار إلى علة إضاعته أنه كان قليل المال فلم يستطع القيام بحق خدمته (فظننت أنه بائعه برخص) أي بثمن قليل، والرخص بضم الراء وسكون الخاء ضد الغلاء أي بثمن رخيص (فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) أي عن شرائه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تبتعه) أي لا تشتره منه (ولا تعد في صدقتك فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه) في القبح والاستقذار، قوله:(فظننت أنه بائعه برخص) إنما ظن ذلك لأنه هو الذي كان أعطاه إياه فتعلق خاطره بأنه يسامحه في ترك جزء من الثمن وحينئذٍ يكون ذلك رجوعًا في عين ما تصدق في سبيل الله، ولما فهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا نهاه عن ابتياعه وسمى ذلك عودًا فقال:"لا تبتعه ولا تعد في صدقتك" اهـ مفهم، قال الحافظ: إنما سمى الشراء عودًا في الصدقة لأن العادة جرت بالمسامحة من البائع في مثل ذلك للمشتري فأطلق على القدر الذي يُسامح به رجوعًا كذا في فتح الباري. (قلت): ويدل عليه قوله: فظننت أنه بائعه برخص. (قوله: لا تبتعه) أي لا تشتره كما هو الرواية فيما يلي، قال النووي: هذا نهي تنزيه لا تحريم فيكره إن تصدق بشيء أو أخرجه في زكاة أو كفارة أو نذر أو نحو ذلك من القربات أن يشتريه ممن دفعه هو إليه أو يتهبه أو يتملكه باختياره منه فأما إذا ورثه منه فلا كراهة فيه وكذا لو انتقل إلى ثالث ثم اشتراه منه المتصدق فلا كراهة اهـ.
والحاصل أن عود الشيء المتصدق به إلى ملك المتصدق إن كان بسبب غير اختياري كالميراث فلا كراهة فيه عند أحد إلا ما شذ به بعض أهل الظاهر وإن كان بسبب اختياري كالشراء فإن كان ذلك طمعًا في المحاباة فهو مكروه تحريمًا لأنه يتضمن العود في بعض صدقته وإن لم يكن طمعًا في المحاباة فيكره تنزيهًا، والبيع صحيح على كل حال إلا في قول بعض أهل الظاهر ولعل السبب في كون الصورة الأخيرة مكروهة