النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص شيئًا (فلِمَ كتب) وفُرض بالبناء للمفعول (على المسلمين الوصية) يعني بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيرًا الْوَصِيَّةُ} وهذه الآية منسوخة عند الجمهور بآية الميراث ويحتمل أن يكون طلحة بن مصرف ممن يزعم أن آية وجوب الوصية غير منسوخة، وبحتمل أن يكون مراده ندب الوصية واختار لفظ كُتب لما هو مستحب نظرًا إلى تأكد استحبابه (أو) قال الراوي: (فلِمَ أُمروا) أي فلم أُمر المسلمون (بالوصية) بالشك من الراوي هل قال فلم كتب على المسلمين الوصية أو قال: فلم أُمروا بالوصية (قال) عبد الله بن أبي أوفى (أوصى) إلى الناس (بكتاب الله عزَّ وجلَّ) أي بالتمسك بكتاب الله ودينه وسنة رسوله لعله أشار إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لم تضلوا كتاب الله" وأما ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من الوصية الجزئية فالظاهر أن ابن أبي أوفى لم يرد نفيه وإنما اقتصر على الوصية بكتاب الله لكونه أعظم وأهم ولأن فيه تبيان كل شيء إما بطريق النص وإما بطريق الاستنباط أو كان لم يحضر شيئًا من الوصايا الجزئية أو لم يستحضرها حال الجواب كذا في فتح الباري [٥/ ٢٦٨].
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٤/ ٣٨١]، والبخاري [٢٧٤٠]، والترمذي [٢١١٩]، والنسائي [٨/ ٢٤٠]، وابن ماجه [٢٦٩٦].
قال القرطبي: قوله: (هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ظاهره أنه سأله هل كانت من النبي صلى الله عليه وسلم وصية بشيء من الأشياء لأنه لو أراد شيئًا واحدًا لعينه فلما لم يقيده بقي على إطلاقه فأجابه بنفي ذلك فلما سمع طلحة هذا النفي العام، قال مستبعدًا كيف كتب على المسلمين الوصية ومعناه كيف ترك النبي صلى الله عليه وسلم الوصية والله تعالى قد كتبها على الناس، وهذا يدل على أن طلحة وابن أبي أوفى كانا يعتقدان أن الوصية واجبة على كل الناس وأن ذلك الحكم لم يُنسخ وفيه بُعدٌ، ثم إن ابن أبي أوفى غفل عما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم وهي وصايا كثيرة فمنها أنه صلى الله عليه وسلم قال:"لا يقسم ورثتي دينارًا ولا درهمًا ولا نورث ما تركنا صدقة" وقال عند موته: "لا يبقين دينان في جزيرة العرب وأخرجوا المشركين منها وأجيزوا