أقسمت بالإله الذي لا إله غيره (لأن يلج أحدكم) أي لأن يصر ويستمر ويواظب أحدكم على المحلوف عليه (بـ) سبب (يمينه) التي حلفها (في) قطيعة (أهله) ورحمه كالحلف على أن لا يكلمهم ولا يصل إليهم ثم لا يحنثها على أن يكفر بعد (آثم له) اسم تفضيل على وزن أفضل أصله أأثم قلبت ثاني الهمزتين مدة؛ أي أكثر إثمًا له (عند الله) تعالى (من أن) يحنثها و (يعطي كفارته) أي كفارة حنثه (التي فرضها الله) تعالى وأوجبها عليه بسبب حنثه على تقدير الحنث، يقال لج يلج بفتح اللام وكسرها من بأبي سمع وضرب لجاجًا ولجاجة إذا لازم الشيء وواظبه كما في المصباح، واللجاج في اللغة هو الإصرار على الشيء والمضي فيه، واللجاج في اليمين هو المضي على مقتضاها وإن لزم من ذلك حرج ومشقة أو ترك ما فيه منفعة عاجلة أو آجلة فإن كان فيه شيء من ذلك فالأولى له تحنيث نفسه وفعل الكفارة، قال النووي: معنى الحديث أنه إذا حلف يمينًا تتعلق بأهله ويتضررون بعدم حنثه ويكون الحنث ليس بمعصية فينبغي له أن يحنث فيفعل ذلك الشيء ويكفر عن يمينه فإن قال: لا أحنث بل أتورع عن ارتكاب الحنث وخاف الإثم فيه فهو مخطئ بهذا القول بل استمراره في عدم الحنث وإدامة الضرر على أهله أكثر إثمًا من الحنث، قال الحافظ في الفتح: ويستنبط من معنى الحديث ذكر أن الأهل خرج مخرج الغالب وإلا فالحكم يتناول غير الأهل إذا وجدت العلة. وقوله صلى الله عليه وسلم: آثم بالمد اسم تفضيل أصله أأثم كما مر آنفًا أي أشد إثمًا، وربما يشكل عليه أنه يستلزم أن يكون الحنث إثمًا أيضًا لكون اللجاج آثَمَ منه مع أن الحنث لا يجوز إلا فيما لم يكن معصية، وأجاب الشراح عنه بوجوه فذكر النووي أن فيه مقابلة اللفظ على زعم الحالف وتوهمه فإنه يتوهم أن عليه إثمًا في الحنث مع أنه لا إثم عليه في الحقيقة، وقيل المراد أنه لو كان الإثم في الحنث على سبيل الفرض فإن إثم اللجاج أعظم، واختار الطيبي وجهًا آخر فقال: لا يبعد أن يقال إن أفعل التفضيل ليس على بابه كقولهم الصيف أحر من الشتاء ويصير المعنى أن الإثم في اللجاج في بابه أبلغ من ثواب إعطاء الكفارة في بابه كذا في فتح الباري [١١/ ٥١٩] والله أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [٣٤٢٤]، والنسائي [٧/ ٢٥].