(أضرب غلامًا لي بالسوط) هي آلة الضرب، قال أبو مسعود:(فسمعت صوتًا) أي صوت مناد يناديني (من خلفي) ومن ورائي يقول ذلك المنادي (اعلم) وانتبه وتيقن يا (أبا مسعود) أن الله أقدر عليك من قدرتك على هذا الغلام المضروب (فلم أفهم الصوت) أي صاحب الصوت (من) شدة (الغضب) أي من شدة غضبي على الغلام (قال) أبو مسعود: (فلما دنا) وقرب (مني) صاحب الصوت (إذا هو) أي صاحب الصوت (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وإذا فجائية رابطة الجواب لِلَمَّا أي فلما دنا مني فاجأني رسول الله صلى الله عليه وسلم أي رؤيته، والفاء في قوله:(فإذا هو يقول) عاطفة على ما قبلها وإذا فجائية أيضًا أي فلما دنا مني فاجأني رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاجأني قوله: (اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود) ذكره بعد إسماعه إياه ثلاث مرات للتأكيد (قال) أبو مسعود: (فألفيت) أي رميت (السوط من يدي) فاستقبلته (فقال) لي في المرة الثالثة: (اعلم) يا (أبا مسعود أن الله) سبحانه وتعالى (أقدر عليك) وقوله: (منك على هذا الغلام) متعلق بمحذوف أي إن الله عزَّ وجلَّ أشد قدرة عليك من قدرتك على هذا الغلام، وفيه الحث على الرفق بالمملوك ووعظ بليغ في الاقتداء بحلم الله تعالى على عباده (قال) أبو مسعود: (فقلت) في نفسي والله (لا أضرب مملوكًا) أي رقيقًا (بعده) أي بعد ضربي هذا (أبدًا) أي أمدًا مدة حياتي، والظرفان متعلقان بقوله لا أضرب.
وقوله:(إن الله أقدر عليك) معناه قدرة الله على تعذيبك أكثر وأشد من قدرتك على تعذيب هذا العبد، وفي الحديث هداية بليغة إلى أن الرجل ينبغي له أن يذكر مقدمه في الآخرة عند سورة غضبه ويستحضر ما يطلبه من الله تعالى من العفو والغفران فمن بذله لمن هو في قدرته رجا حصول ذلك من الله سبحانه، ومن لم يبذله لم يرجه وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٤/ ١٢٠]، وأبو داود [٥١٥٩ و ٥١٦٠]، والترمذي [١٩٤٩].