فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على قتال الصنفين الأولين وعدم سبيهم، وإنما اختلفوا في سبي ذراريهم، فقوتلوا حتى قُتل الأسود العنسي ومسيلمة الكذاب وتفرقت جموعهما اهـ.
وأما الصنف الثالث أعني بهم الذين اعترفوا بوجوبها ولكن امتنعوا من دفعها إلى أبي بكر فهم الذين أشكل أمرهم على عمر فباحث أبا بكر في ذلك حتى ظهر له الحق الذي كان ظاهرًا لأبي بكر فوافقه على ذلك، فلذلك قال:(فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق) وقوله (قال عمر) مُرتب على محذوف تقديره لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب وأراد أبو بكر قتالهم قال عمر (بن الخطاب لأبي بكر كيف تقاتل) وتجاهد يا أبا بكر هؤلاء (الناس) الذين تمسكوا بالإسلام واعترفوا بوجوب الزكاة ولكن امتنعوا من دفعها إليك متأولين بما ذكر في الآية السابقة (و) الحال أنه (قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمرت) من جهة ربي (أن أقاتل الناس) وأجاهدهم (حتى يقولوا) ويقروا (لا إله إلا الله) مع قرينتها محمد رسول الله (فمن قال) وأقر منهم (لا إله إلا الله) وأني رسول الله (فقد عصم) وحقن وحفظ (مني ماله) من الأخذ والسلب (ونفسه) من القتل والأسر، وعَصَمَ بمعنى منع مأخوذ من العصمة، والعصمة: المنع والامتناع والعصام الخيط الذي يُشد به فم القربة، سُمي بذلك لمنعه الماء من السيلان، والضمير في قوله (إلا بحقه) عائد على الإسلام، أي إلا بحق الإسلام، أي إلا أن نأخذ ماله أو نقتل نفسه بالحق الذي أوجب عليه إسلامه، وقوله لا إله إلا الله، وفي بعض الرواية (إلا بحقها) أي إلا أن يترك حقًّا من حقوق كلمة لا إله إلا الله، أي إلا أن نأخذه أو نقتله بالحق الذي أوجبت عليه تلك الكلمة المشرفة، أي تمسكه وقوله بها من امتثال جميع شرائع الدين، والمعنى إلا أن يمنع حقًّا من حقوق الكلمة، ومن حقوقها أداء الزكاة، قال القرطبي: والحق المستثنى هو ما بينه في الحديث الآخر بقوله: "زِنىً بعد إحصان أو كفرٌ بعد إيمان أو قتل النفس التي حرم الله" رواه الدارمي في مسنده (٢/ ١٧١)(وحسابه) أي وحساب سرائره (على الله) سبحانه وتعالى لأنه تعالى هو المطلع عليها فمن أخلص في